لا توجد نموذج نستطيع النظر إليها داخل تاريخنا المعاصر حتى نستطيع قراءة ما يحدث، أو ما يمكن ان يسجله المستقبل على عصبية غير مفهومة تستشري داخل السياسة أحيانا، أو في أقلام البعض أحيانا أخرى، وبشكل يوحي بأن "الشماتة" ليست طبعا بشريا بل تكتيكا في عهد المحافظين الجدد، وهو يرسمون "التخريب" المتسلسل لشرق أوسط عجائبي.

الأقلام الهازئة اليوم، أو تلك التي تتحدث في تعال أحيانا مقدمة نصيحة لا يقرؤها إلا من تقع عيناه صدفة على صفحات الجرائد، تتناسى أن خيارات سورية لا تتعلق بسلطة أو دولة أو حكومة، بل هي موضوع وطن يعاد رسمه على شاكلة "عمليات" التصفية داخل العصابات المنظمة. فالولايات المتحدة تجاوزت تقرير ميلس حتى قبل تكليف لجنة التحقيق، وإذا كان دم رئيس الوزراء اللبناني معلق اليوم على جملة تقارير صحفية وتسريبات من أروقة الأمم المتحدة، فإن هذه الوقائع تؤكد لنا أن ما يحدث يتجاوز طبيعة الخيارات التي وضعت أمام سورية قبل عملية الاغتيال، واستمرت حتى اللحظة بفعل صورة يراها "المحافظون الجدد" لونا لليبرالية، بينما ينسى الليبراليون حتى التعليق على ما قدمه "ميلس".

واليوم ربما يتضح أكثر مساحة الاتهام التي تتسع، فـ"بولتون" لا يتحدث عن نظام سياسي بل على دولة، والتعالي يتشكل في إطار النظر إلى "جموع سكانية" على شاكلة "الهنود الحمر"، في وقت يستطيع البعض أن يكتب أو يعلق على الحدث بتحديد أخطاء الماضي أو نبش "الخطايا" وكأنه لن يكون عرضة لنظرة تعتبره رغم "تعليقه" جزء من الجموع البشرية.

خيارات سورية اليوم في مواجهة دائرة المحافظين الجدد مستحيلة لأن الولايات المتحدة لا تريد "خيارا" ... وهي ترسم الصورة القاتمة لمستقبل "سكاني" وليس لتكوين اجتماعي وسياسي داخل الشرق الأوسط، وهذه النظرة ربما تحتاج عند البعض لتأكيد، لكنها داخل مساحات أخرى تظهر أكثر وضوحا بعد أن استطاعت تحويل العراق إلى جغرافية للقتل وحولت التنوع العراقي إلى صراعات تعود في أغلبها إلى "العصر العباسي الثاني".

ما تريده الولايات المتحدة غير واضح داخل مساحة من التراكب التاريخي والسياسي، والأزمة ليست في بناء شرق أوسط كبير بل في حسابات التغير على طريقة الوصفات الجاهزة التي يبرز فيها "الشريف" ليمارس "الحق" على أسلوبه الخاص ... هل نحن في عصر تجاوز "الحداثة" وما بعدها؟! هذا السؤال ربما يفسر مستقبلا هجمة التراث بعد أن تم سحق أي إحساس بالأمان أو حتى الرغبة في التعامل مع المثال الحديث و ... العصري!