عبر نظرة سريعة لطبيعة الرؤية الأمريكية خلال أزمة العلاقات السورية مع واشنطن، نستطيع تحديد نقطة مركزية في هذا الخطاب. فالولايات المتحدة، وليس مع سورية فقط، تختصر الوضع السوري بمخاطبة "نظام سياسي" .. أو حتى تجمع الدولة والمجتمع بهذا المفهوم.

فالولايات المتحدة في إدارتها للموضوع العراقي قامت بهذا النوع من الاختصار، عندما لخصت العنف او المقاومة ببقايا النظام أو بالمقاتلين الوافدين. وهي أيضا في تعاملها اليوم مع سورية تقوم بنفس الطريقة وكأن "النظام السياسي" تكوين هابط على الأرض أو منفصل عن واقع الجغرافية – السياسية. وبالطبع فإن مسألة المواقف السياسية لا علاقة لها بهذا الموضوع، فسواء توافقت الإرادة الدولية مع شكل سياسي معين أم اختلفت معه، إلا ان أشكال التخاطب السياسي لا يمكنها خنق المفاهيم بنفس الطريقة التي تتم اليوم.

طريقة الخطاب الأمريكي تعبر عن المحتوى الديمقراطي الذي تحاول تشكيله، وهو امر لا علاقة له بالاتهامات الموجهة لها بانها لا تهتم بالديمقراطية إلا لتنفيذ سياساتها، بل هو أولا وأخيرا تعبير عن فهم ثقافي للآخر ولأسلوب تعامله مع "المنتج" العصري في إدارة المجتمعات والشعوب.

النظر إلى المجتمع على انه هو النظام السياسي أو أنه لا يملك إرادة تجاه النظام السياسي، ليس تعبيرا عن وسم النظام بـ"الديكتاتورية" بل هو عدم فهم لآليات التعبير الاجتماعي في المنطقة. ونحن هنا لا ندعي بأن الأنظمة السياسية العربية هي تعبير عن إرادة المجتمع، ولكنها على الأقل تعبير عن تجربة اجتماعية، سواء أخفقت هذه التجربة أو نجحت.

"الديمقراطية" كمطلب أمريكي لا تريد الدخول من جديد في فهم التفاوت ما بين الانتاج الديمقراطي والمعرفة الديمقراطية. فالإنتاج الديمقراطي يمكن أن يظهر بأي شكل ولو على الطريقة العراقية، ولكن المعرفة الديمقراطية هي الشأن الأساسي الذي لا بد من توفره حتى يسود الاستقرار والسلام.

التيار "الديمقراطي" الأمريكي اليوم لم يولد سوى تضاد داخل المجتمع بين حالات التنوير والحداثة، وبين النزعات التراثية. لأن الذين يتبنون الحداثة متهمون بتلبسهم للرؤية الأمريكية مهما حاولوا الدفاع عن انفسهم. بينما يتطور التيار الآخر ليحدد أرضية اجتماعية هي في النهاية ضد الارتقاء الحضاري حتى ولو ظهروا بشكل ديمقراطي.