ردود الفعل اللبنانية على تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الالماني ديتليف ميليس، الصادر الاسبوع الماضي تتسم بالغرابة، وتثير الحيرة: فهو لم يكن يستحق كل هذا الشكر من الذين هللوا لخلاصة عمله، كما لم يكن يستدعي كل هذا الاستياء من الذين لم تعجبهم الوقائع التي توصل اليها .

حتى الان لم يتضح تماما سبب اقدام ميليس قبل نحو شهرين من انتهاء مهمته، على اصدار تقرير يقول فيه ان التحقيق لم ينته، ويشير بوضوح الى ان هناك حاجة الى استكمال ومتابعة الكثير من المعطيات، ويوصي فيه، بان تتولى الاجهزة الامنية والقضائية اللبنانية هذه المسؤولية.

لماذا لم ينتظر ميليس حتى منتصف ليل الخامس عشر من كانون الاول المقبل، لكي يصدر مثل هذا التقرير بعد ان يكون قد استكمل بنفسه ومع فريقه الدولي المزود بكفاءات وخبرات وتقنيات ليس لها مثيل، بحيث يمكن ان تكون النتيجة قد جاءت اشد دقة والاسماء اكثر وضوحا والاتهامات حاسمة.

لا يعقل ان يكون ميليس قد لجأ الى مثل هذه الخطوة السابقة لاوانها من اجل ان يختبر حماسة السلطة اللبنانية واصرارها على بلوغ الحقيقة الكاملة، فاوحى بانه انجز تحقيقاته، التي ما ان تبين للحكومة انها ناقصة حتى سارعت الى طلب <<التمديد>> له حتى منتصف كانون الاول... برغم انه لم تكن هناك حاجة اصلا الى مثل هذا الطلب.

الاقرب الى العقل والمنطق هو ان هناك من اوحى الى ميليس بالتوقف عند هذا الحد من التحقيق والاكتفاء بالشبهات القوية التي توصل اليها حول تورط سوريا واحالتها الى مجلس الامن الدولي لكي يتصرف بها وفق ما يشاء: قياس رد الفعل السوري الاول الذي يحدد الخيار الدولي بين توجيه انذار اولي الى دمشق وبين توفير مخرج جنائي لها من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري... التي يمكن ان يعهد بها في ما بعد الى القضاء اللبناني بعد حصوله على مساعدة دولية.

الرد السوري على التقرير كان متعدد الوجوه: طبعا، لم يتضمن الاعتراف الصعب بالتورط في الجريمة لكنه ابدى الاستعداد للتعاون مع المراحل التالية من التحقيق، والمح للمرة الاولى على لسان السفير السوري في برلين الى امكان معاقبة احد المسؤولين الامنيين السوريين، العميد رستم غزالة، لكنه لم يتخل عن محاولة خوض المعركة الدبلوماسية في مجلس الامن اليوم معتمدا كما يبدو على الفيتو الروسي او الصيني، او ربما على عدم قدرة الثلاثي الاميركي الفرنسي البريطاني على ضمان الاغلبية على قرار الانذار ...
في مثل هذا التفاوض غير المباشر الذي ينتهي اليوم بين الثلاثي الدولي وبين دمشق، لم يكن هناك محل للبنان، ولم يكن هناك مبرر لكل هذا الصخب اللبناني حول التقرير لا من قبل خصوم سوريا ولا من قبل حلفائها... لان الايام ستثبت ان صدور التقرير قبل اوانه خسارة للجانبين معا.

مصادر
السفير (لبنان)