ها هو الفرق الكبير بين ياسر عرفات وبين محمود عباس (أبو مازن): الأول كان مقيتاً ومنبوذاً في نظر اسرائيل، الولايات المتحدة وأوروبا وجزء لا بأس به من زعماء الدول العربية، أبواب العالم السياسية كانت مغلقة أمامه.

الأسف على موته كان وهمياً ومزيفاً حتى في أوساط أبناء شعبه، كيف حظي عرفات، أبو الأمة الفلسطينية، المحارب الوفي الذي كرّس حياته كلها من أجل ذلك، بمثل هذه المعاملة من الغربة والمقت؟ لأن كل العالم ارتاب به واعتقد أنه قادر ولكنه لا يرغب. كان يتمتع بمكانة الزعيم القادر على كل شيء، لو كان يرغب في مكافحة الارهاب الفلسطيني واقتلاعه ـ لسار أبناء شعبه من ورائه. ولو طمح في تجريد الفصائل الدموية من سلاحها لكانت لديه القوة لتحقيق نيته. ولكنه لم يرغب بل تطلع لتحقيق الاستقلال الفلسطيني من خلال حرب دموية قتالية، وعليه، فقد نبع ضعفه في الساحة الدولية من قوته بالتحديد. كانت لديه قوة هائلة ورغبة معدومة في استخدامها.

أبو مازن عكسه تماماً، هو عبّد الطريق الى ألباب زعماء العالم بكلماته الرقيقة. اسرائيليون كثيرون من كل أطياف القوس السياسي يتعاملون معه بتعاطف. الرئيس بوش بسط أمامه السجاد الأحمر قبل أيام. هو استقبل في البيت الأبيض كضيف مرغوب. طريقه الملتوية مظللة بالتسامح. الجميع يدركون أنه شخص معتدل يندد بكل خرق للهدنة في الانتفاضة بصورة منهجية، ويدعي حازماً أن كل عملية في اسرائيل تضر بمصالح الشعب الفلسطيني، فهو الأمل الأكبر للسلام في الشرق الأوسط. وخلافاً لعرفات المكروه، يعتبر أبو مازن زعيماً محبوباً، وخلافاً لعرفات الذي كان قادراً على تفكيك الفصائل الإرهابية ولم يرد، أبو مازن يريد ولا يستطيع، فإن ضعفه هو في الواقع مصدر قوته.

ساعدوه، يناشد أنصار السلام في اسرائيل. عززوا قوته ـ هم يتوسلون، أعطوه أسلحة ومركبات مدرعة سلموه مدناً فلسطينية أخرى لتعزيز مكانته في مواجهة حماس. لا تفرضوا الحصار على الضفة الغربية. خففوا من عملية المرور على الحواجز لأنكم إذا لم تفعلوا ذلك ـ فإنما تعززون من قوة حماس وتضعفون أبو مازن.
تحت عين أبو مازن الخفية تقوم حماس بجمع المزيد من الأسلحة الفتاكة، وفي ظل الهدنة المزعومة قصيرة الأيام تقوم هذه الحركة القاتلة بتحسين مدى صواريخ القسام. قبل مدة قصيرة ـ حتى مزرعة هشكميم التابعة لارييل شارون. وبعد مدة قصيرة ـ حتى اشكلون. وبعد ذلك يأتي دور كل مدن منطقة هشارون من دون استثناء، ومطار بن غوريون وتل أبيب.

ونحن مسحورون بسحر لسان أبو مازن الرقيق، نواصل الاعتقاد بأنه يرغب بالفعل إلا أنه لا يستطيع، ويا للخسارة. أما الولايات المتحدة ـ القوة العالمية العظمى الوحيدة، التي علقت في عجز تجاري ضخم تعاني من تضخم هو الأعلى، والتي تورّطت في العراق من دون مخرج، الأمر الذي يهدد مكانتها كزعيمة للعالم ـ تطرح شرطاً أحمق على مرشحي حماس في الانتخابات القريبة للبرلمان الفلسطيني: أن يصرحوا بأنهم يتخلون عن الارهاب والعنف وأنهم سيعملون فقط بالطرق السلمية لتحقيق أهدافهم.
هل هذا جدي حقاً... ألم يكن من المريح لاسرائيل أكثر أن تواجه رجل الدماء والارهاب ياسر عرفات؟

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)