ما الذي جرى بين سنتي 2001 و2005 بين سورية وفرنسا لتصل علاقاتهما الى مثل هذا المستوى من التباعد والسوء؟

يقول مسؤول فرنسي رفيع إن ليست لفرنسا الآن اتصالات مباشرة مع سورية إلا عبر الموفد الدولي تيري رود لارسن.

وهنا نتذكر العشاء الذي أقامه الرئيس جاك شيراك وزوجته برناديت في قصر الاليزيه مساء 25 نيسان (ابريل) 2001 على شرف نظيره السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، خلال أول اطلالة لهما في الغرب وفي اطار زيارة دولة الى فرنسا اتسمت بالحفاوة. وقال شيراك آنذاك متوجهاً الى ضيفه السوري الشاب: «لدينا مشاريع لتكثيف وتوسيع صداقة غير قابلة للتدمير بين سورية وفرنسا»، وان هذه الصداقة كان يشير اليها الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول.

اضاف شيراك أنه والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وضعا الزيارة التي قام بها الاخير لفرنسا قبل ثلاث سنوات «تحت عنوان الصداقة المستعادة، فلنضع زيارتكم تحت عنوان الصداقة المعززة، وأرفع كأسي للصداقة». والآن في السنة 2005 وبعد اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، الصديق الكبير للرئيس الفرنسي، تبدو الصداقة الفرنسية - السورية مدمرة.

كان شيراك عمل على فتح أبواب أوروبا للرئيس السوري الشاب، معتبراً أنه الحليف الجديد الذي سيعمل على تحديث بلده ويفتحه على العالم، انطلاقاً من ادراكه لكون العالم قد تغير. إلا أن الديبلوماسية السورية خيبت أمل فرنسا، شهراً بعد شهر، الى أن تدهورت العلاقات كلياً عند اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومن الصعب تفهم أخطاء الديبلوماسية السورية ازاء فرنسا التي كانت فتحت كل ابوابها للتعاون مع سورية ومساعداتها. فمنذ العام 2002، وبعد مؤتمر «باريس 2» كان شيراك يوجه رسائل مستمرة الى نظيره السوري ناصحاً بمساعدة حكومة الحريري واقناع لحود بعدم عرقلة المسيرة الاصلاحية المترتبة على الحكومة اللبنانية في إطار «باريس 2». إلا أن سورية تجاهلت هذه الرسائل وكثفت الضغوط على الحريري لتفشيله.

وتبع ذلك بدء المحادثات بين سورية والاتحاد الأوروبي حول اتفاق الشراكة، فنصح شيراك نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام في أحد لقاءاته معه بقبول الفقرة المرتبطة برفض أسلحة الدمار الشامل، الواردة في نص الاتفاق، وعدم الاصرار على تعديلها. لكن سورية لم تعمل بهذه النصيحة، وعندما غيّرت رأيها ووافقت عليها، كان الأوان قد فات، كون العلاقات مع فرنسا اتجهت نحو الأسوأ بعد التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود، وافشاله للحريري في تشكيل الحكومة. فتعطل اتفاق الشراكة الأوروبية - السورية، وعارضت أوروبا بأكملها هذا الاتفاق عقب اغتيال الحريري.

فما سبب هذه الأخطاء الديبلوماسية المتتالية؟ ولماذا عملت سورية على اغلاق أبواب العالم في وجهها وتعمدت عزل نفسها، رغم الاستعداد الذي أبداه الغرب، خصوصاً فرنسا، على تعزيز التعاون معها ومساعدتها على الاصلاح والتحديث؟

واليوم، بعد تقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس، فإن الديبلوماسية السورية تخطئ مجدداً، وتصف التقرير بأنه مسيّس ومنحاز، ومليء بالأكاذيب. وكان وزير الخارجية الفرنسي وصف التقرير بأنه عمل جدي ومهني.

التقرير مبني على تحقيق قضائي معمق لساحة الجريمة، رغم ازالة معالمها بشكل سريع، وبطلب من الأشخاص الذين عملت العدالة اللبنانية على اعتقالهم، نتيجة تحقيقات ميليس. ومن يصدق أن تقرير ميليس مسيّس وكاذب، خصوصاً أن قراءة دقيقة لصفحاته الـ 54 تظهر أن التقرير مبني على تحليل علمي ودقيق للخطوط الهاتفية والاتصالات التي اجريت قبل الجريمة وأثناء وقوعها وبعده، وعلى شهادة حوالي 500 شخص. وقد سلم ميليس القضاء اللبناني حوالي 1600 وثيقة على صلة بالملف، وكان حصل على تسجيل لحديث دار بين الحريري ومساعد وزير الخارجية السوري وليد المعلم.

ومن الخطأ إذاً وصف التقرير بأنه كاذب ومسيّس. وعلى الديبلوماسية السورية أن تتحرك لتغيير نهجها والتعاون مع الأسرة الدولية وإلا تضاعفت الضغوط الدولية الهادفة لعزلها.

والنهج الحالي المعتمد مسيئ لبلد فقد صديقاً أساسياً في الغرب، هو فرنسا، وأخطأ في التجاوب مع نصائحها الودية فحولها الى خصم من دون أي مبرر.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)