تأجيل لقاء رئيس الحكومة برئيس السلطة الفلسطينية لم يكن مفاجئا لأحد. كان من الصحيح تأجيل هذه القمة في حالة عدم الاعداد لها بصورة جيدة وفي ظل عدم وجود احتمالية جيدة للخروج منها بانجازات حقيقية.

في هذه المرحلة تحدثوا عن موعد جديد، "الى ما بعد الأعياد"، وبعد عودة أبو مازن من زيارته في واشنطن. أخشى ما أخشاه أنه لا يتوقع حدوث تغير حقيقي في الواقع الاسرائيلي أو الفلسطيني على حد سواء، بما يضمن نجاح اللقاء اذا ما انعقد بعد اسبوعين أو ثلاثة. مفتاح التقدم موجود في الحاجة الى الوصول مباشرة الى النهاية، أي الى الاتفاق الاسرائيلي الفلسطيني حول التسوية الدائمة والسلام بين الجانبين.

فقط اذا علمنا - هم ونحن - كيف سيبدو اتفاق السلام المتبادل، عندئذ سيكون بامكان الجانبين العودة لمعالجة المراحل الانتقالية بما فيها كل تلك الامور المقلقة مثل متى- وكيف سيعالج الفلسطينيون الارهاب وصولا الى ايقافه؟ ومتى وكم وأي سجناء ستُطلق اسرائيل، وأي بؤر استيطانية ومستوطنات ستبقى خارج الحدود المتفق عليها بين الجانبين والتي يتوجب اخلاؤها؟ وما الى ذلك من اسئلة كثيرة اخرى. اسئلة ليس لها حل في الظروف الحالية وبالعكس، حلها موجود بصورة تلقائية بعد التوصل الى التسوية الدائمة.

طالما لم يكن هناك اتفاق حول الهدف النهائي، وليس هناك منطق أو جدوى في الخطوات الانتقالية، وهذا ينطبق على الجانبين. من الممكن أن نتفهم عدم رغبة اسرائيل وقدرتها على اطلاق سراح السجناء، ومن الممكن ان نفهم الخوف الاسرائيلي من خطوات انسحابية اخرى، وبالعكس يمكننا أن نتفهم معارضة السلطة الفلسطينية لـ"تصفية البنى التحتية للارهاب" طالما ليست متأكدة بأنها ستضطر مرة اخرى الى العودة الى الصراع العنيف كوسيلة لتحقيق مصالحها السياسية. كل شيء بسيط وواضح الى هنا. بالفعل هناك جدوى لتحريك أحصنة العربة فقط من بعد أن يتمكن الجانبان من الاتفاق على الهدف النهائي، إلا أننا عالقون هنا في قضية الاسلوب والطريقة. هلموا بنا نكون واقعيين.

ليست هناك احتمالية ممكنة للتوصل الى الاتفاق بين الجانبين عبر التفاوض العلني حيث يقوم جيش من وسائل الاعلام بالتربص خلف أبواب الغرف والمداولات من اجل تسريب المضامين الصحيحة والمزيفة حول ما يُطرح.

من دون مفاوضات سرية تماما تتكشف فقط بعد خروج "الدخان الابيض"، وفقط بعد ان يكون من الممكن الخروج الى الجمهور والتصريح بالتوصل الى الاتفاق - لا فرصة للتوصل الى الحل.

اذا كان الزعيمان مستعدان فعلا للتوصل الى اتفاق، وإن كانا يدركان حقا ومستعدان للتسويات الصعبة والمؤلمة المستوجبة على الجانبين، فان عليهما حينئذ أن يتبنيا طريقة التفاوض السري المطلق. من المحظور بأي شكل من الاشكال أن يعلم أحد بوجود مثل هذه المفاوضات وأين تجرى ومن هم ممثلو الجانبين.

مثل هذه المباحثات السرية أُجريت من قبل وزير الخارجية موشيه دايان مع نائب رئيس الوزراء المصري الدكتور التهامي وهي التي أنضجت زيارة السادات الى القدس. كما أن المفاوضات في كامب ديفيد جرت في ظل تعتيم تام من دون أن تتمكن وسائل الاعلام من الوصول الى مكان المتفاوضين من الجانبين. مثل هذه المباحثات جرت ايضا بين شمعون بيريز وممثلي "م. ت. ف" - تونس في الثمانينات، كما ان اتفاق اوسلو أُنجز في عام 1993 فقط لأن أحدا لم يعرف بأمر المفاوضات الجارية. بهذه الطريقة فقط يمكن لنا أن نتقدم.

مصادر
صدى البلد (لبنان)