يجب ايقاف هذا الامتياز الإباحي فورا: من الواجب منع الفلسطينيين من التنقل بالسيارات في طرقات الضفة الغربية وليس فقط في الشوارع الخارجية بين المدن، كما تقرر إثر عملية غوش عصيون منذ أيام.

كل حل آخر "أكثر انسانية"، لن يحول دون حدوث العمليات. غالبية الفلسطينيين أصلا اعتادت على العيش من دون سيارات، ومن دون تجوال وترحال، ومن دون حرية. هلموا بنا نوقف اذن لعبة الكلمات البراقة والحلول الجزئية. علينا أن نضع حدا لوجود السيارات الفلسطينية في طرقات بلادنا بما فيها مناطق الاحتلال الخاضعة لنا. في نهاية الاسبوع الماضي أصيبوا عندنا بالذهول بعض الشيء إثر الانتقادات الاميركية لاغلاق الشوارع الرئيسة في الضفة أمام السيارات الخاصة. مصدر سياسي سارع الى القول لصحيفة "هآرتس" بأنه "لا توجد خطة جديدة لفصل عملية الحركة والتنقل في شوارع الضفة"، ووزير الدفاع وعد من لندن بأن هذه خطوة موقتة فقط. مرة اخرى تبين أن حاجزنا الاخلاقي الأخير ليس موجودا في القدس وانما في واشنطن. الاعتقاد بأن اشخاصا مثل جورج بوش وكوندوليزا رايس هم حراس الشيفرة الاخلاقية الاسرائيلية يجب أن يصيبنا بالرعشة والهلع، إلا أن هذه حقيقة قائمة.

مع ذلك اعترف المصدر السياسي بأن هناك خططا احتياطية مخزنة لفصل حركة الشعبين والتي ستطبق فقط اذا انهارت السلطة الفلسطينية. من الصعب أن نفهم ما العلاقة بين انهيار السلطة وبين الانهيار التام لما تبقى من قيمنا الانسانية كما عبرت عن نفسها من خلال فرض العقوبات الجماعية الشنيعة.

في هذه الاثناء يقوم الجيش الاسرائيلي بتطبيق "أجزاء من الخطة كاستجابة فورية لتحديات الارهاب"، كما قال المصدر، ولكن حظر سفر السيارات الخاصة في الشوارع الخارجية بين المدن هو جزء من نظام الفصل على أساس عرقي والمطبق منذ مدة من الزمن وأكثر تعبيراته بروزا يبدو على الطرقات. منذ خمس سنوات تقريبا حُرم مليونا فلسطيني ونصف في الضفة الغربية من حرية الحركة الأساسية. بين الحين والآخر تقوم اسرائيل بتخفيف اللجام قليلا كما حدث في الاشهر الأخيرة، ولكنها تعود لتشديد الطوق كما يحدث الآن. ولكن الفوارق هامشية: الحقيقة الصارخة هي أن سكان الضفة مسجونون. قرارات تشديد القبضة بين الحين والآخر الهادفة فقط الى إرضاء المستوطنين لم تعد تغير من الامر كثيرا.

قلة قليلة من الاسرائيليين فقط تستطيع أن تدرس بينها وبين نفسها مغزى قرارات جهاز الأمن العشوائية. كم كان بامكاننا أن نعيش من دون سيارات خاصة؟ ومن منا يملك تصورا عما يشعر به من يحتاجون الى اجتياز حاجز حوارة في الايام التي يُزعم فيها انه مفتوح والاكتظاظ في الطابور اللامتناهي أمام حاجز قلندية؟ أو كم هو عدد الساعات التي يتوجب فيها أن يسير مريض الكلى المسافر من طولكرم الى المستشفى في شرقي القدس فوق المطبات الوعرة؟ كل عملية سفر في الضفة تتحول بالنسبة للفلسطينيين الى كابوس متواصل من الإهانات والجزع والخوف على الجسد.

يتوجب اذا أن يعلم الاميركيون القلقون بالحقائق: "الابرتهايد" على الطرقات موجود عندنا منذ زمن، مع الخطة المخزونة لدى الجيش ومن دونها. غالبية شوارع الضفة خالية من البشر والسيارات. في ايام السبت وفي الساعات التي لا يسافر فيها المستوطنون عبر هذه الشوارع تتحول الى شوارع أشباح. سافروا عبر الطريق الصاعد من حاجز جبارة بجانب الطيبة نحو طولكرم ونابلس لتستغربوا من اختفاء مئات آلاف المواطنين القاطنين في المحيط. هل سقطوا كأوراق الخريف؟ وهل قرروا الجلوس تحت كرومهم الى الأبد وتحت أشجار التين؟ عندما تسافرون في الطريق 443 الصاعد من موديعين باتجاه القدس والذي تحول الى محور حركة سريع للعاصمة، عليكم أن تسألوا انفسكم أين عشرات آلاف القرويين الفلسطينيين من القرى الموزعة على الجانبين. فلتعلموا أن هؤلاء لا يجدون الى هذا الشارع سبيلا. الطريق مخصص لليهود فقط. وإن بذلتم بعض الجهد ونظرتم جيدا فستلاحظون على جوانب الطرقات ان هناك دروبا للحركة مخصصة للفلسطينيين: طرق بدائية ملتوية عبر الجبال، وطرق للدواب تضطر السيارات التي تحمل المرضى للسير متمايلة فوقها وفيها الطلاب والنساء والحوامل والناس العاديون الذين يقررون وضع أرواحهم على أكفهم للسفر مدة ساعتين الى ثلاث ساعات للوصول الى القرية المجاورة.
في هذه الايام، ايام رمضان، تسمح اسرائيل المنادية بالحرية الدينية للمؤمنين بالوصول الى المسجد الأقصى. "حجاج" بكل معنى الكلمة وليس فقط من اجل المبالغة في الوصف: بعض هؤلاء الناس يمتدون في طوابير مشيا على الأقدام عبر الجبال. الباصات التي تخرج الآن يوميا من جنين مثلا وفيها أناس من المؤمنين من سن 45 فما فوق، كما تطالب اسرائيل، تخرج من الخامسة فجرا وتعود في الثامنة مساء مع كل ما يعانيه هؤلاء الناس من صنوف العذاب والانتظار والإهانات على الطرقات.

ليس لكل هذا علاقة بالأمن. المخرب الذي يرغب في الدخول الى اسرائيل - كما يبرهن عدد الفلسطينيين الكبير الذين ينجحون في القيام بذلك من دون تصاريح - يتمكن من ايجاد الطريق. حقيقة ان السفر من الخليل الى بيت لحم يمتد الى ساعات طوال لا تحول دون الارهاب، وانما هي سبب لتشجيعه. وإذا كان الهدف هو "الرد" و"المعاقبة" مقابل كل عملية تخريبية - فلماذا لم يمنعوا سكان تفوح من حرية الحركة بعد أن قام المخرب عيدن نتان زادة بالتوجه الى شفا عمرو لقتل سكانها؟

الحقيقة يجب أن تُقال ليس فقط في واشنطن وانما هنا قبل أي شيء آخر: في طرقات الضفة يسود نظام تفرقة عنصرية لا علاقة له البتة بالحرب ضد الارهاب، وقرار انتزاع "الخطة الاحتياطية" هذه أو تلك بلا أي معنى. خلال مئات السنين عاش الفلسطينيون في هذه البلاد من دون سيارات، وليس هناك سبب يحول دون عودتهم الى تلك الايام الخوالي خصوصا بعد أن شُقت فوق اراضيهم شوارع لليهود، ولليهود وحدهم. ولكن خلافا لايام القِدم أصبحت الحركة فوق الدواب ومشيا على الأقدام صعبة جدا اليوم.

مصادر
صدى البلد (لبنان)