سقف الموقف الاميركي والفرنسي تجاه سوريا مرتفع جدا جدا، واكثر بكثير مما كان يظن المتفائلون بان المجتمع الدولي ما زال يمكن ان يتسامح مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري..

مشروع القرار الذي قدم امس الى مجلس الامن هو كأي مسودة تطرح على الدول ال15 الاعضاء، اعلان نوايا اولية، قابلة للتعديل والتلطيف. لكنه يتضمن شروطا تعجيزية لا يستطيع الرئيس السوري بشار الاسد ان يستجيب لمعظمها، لكنه لن يجد مفرا من التفاوض تحتها.. من خلال استخدام آخر ما تبقى له من اوراق دبلوماسية تتناقص يوما بعد يوم.

في النص الجديد فقرات تمهيدية واجرائية عديدة وضعت لكي تتيح المجال لروسيا والصين وربما الجزائر ايضا لشطبها او تخفيف لهجتها، والقيام بدور الوسيط بين الجانبين الاميركي والفرنسي من جهة وبين سوريا، حول تنفيذ ما يبقى من البنود الجوهرية التي قصدها الاميركيون والفرنسيون من مشروع القرار، والتي تخص ملاحقة المشبوهين السوريين في جريمة اغتيال الحريري.

الاشارة الى البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي ينص على العقوبات لن تصمد يوما واحدا على الارجح، لكن موافقة الاميركيين والفرنسيين على شطبها ستكون مشروطة بقبول الروس والصينيين والجزائريين بعدم تعديل الفقرات الخاصة بتجميد ارصدة المشبوهين ومنعهم من السفر.. وهي بالمناسبة لا تقدم باعتبارها عقوبة لسوريا، بل مساهمة في توفير المخرج لها من الجريمة!

لكن الفرصة الاهم التي اتيحت لسوريا جاءت على لسان المحقق الدولي ديتليف ميليس، عندما دعاها في مداخلته العلنية امام مجلس الامن الى اجراء تحقيق خاص بالجريمة، وهي الخطوة التي لم تقدم عليها القيادة السورية منذ اللحظة الاولى لاسباب معروفة، لكنها كانت وربما لا تزال تشكل الاطار الانسب لتحديد الثمن الذي ترغب او تستطيع دمشق ان تدفعه لقاء تورطها في اغتيال الحريري.
لم يرد مثل هذا الاقتراح الذي ألح عليه ميليس في مؤتمره الصحافي ايضا، في نص مشروع القرار الاميركي الفرنسي، لكنه ليس من المستبعد حتى الان ان يتحول الى مطلب دولي عام يقضي بان تتولى دمشق بنفسها التحقيق مع المشبوهين السوريين ومحاكمتهم والحكم عليهم.. وتسليم اوراق المحاكمة وملفاتها واحكامها الى الجانب اللبناني والامم المتحدة لاعلان القضية منتهية.

ولعله المخرج الاخير بعدما اضاعت دمشق فرصا عديدة من اجل حصر الجريمة والحد من مخاطرها، وساهمت ولا تزال في استعداء لبنان واتهامه بانه صار قاعدة للتآمر على سوريا يستكمل ما بدأه مع اتفاق سايكس بيكو وما لم ينجزه في اتفاق 17 ايار مع اسرائيل، حسب الشتيمة الاخيرة التي وجهها نائب وزير الخارجية السورية وليد المعلم.. في سياق تلك الاستعادة البائسة للخطاب العراقي السابق، والتي يمكن ان تجعل من القرار المقبل لمجلس الامن فاتحة لمسار لن ينتهي الا بمشهد شبيه بما جرى في بغداد في التاسع من نيسان العام 2003.

مصادر
السفير (لبنان)