في لبنان جنرالان يكمّل واحدهما الآخر، علماً بأن كلاً منهما موقن بكماله، متأكد من أن ذاته هي وحدها ما يكمّل ذاته.

أحدهما حاكم لكنه ليس حاكماً تماماً، والثاني معارض لكنه ليس معارضاَ تماماً.

الأول، رئيس الجمهورية إميل لحّود، يحول استمراره في الرئاسة، على رغم كل شيء، دون انسجام الحكم وقراره.

والثاني، زعيم الحزب الجديد ميشال عون. يعمل، من خلال المواقع التي هو فيها، على رفع درجة التطييف في الحياة السياسية اللبنانية. صحيح أن عون ليس وحده من يمارس التطييف، وأنه ربما كان، في ظاهر الأمور، أقل الزعامات الطائفية طائفية. مع هذا، فهو أكثر من يجزّئ القاعدة الشعبية التي يمكن أن ينهض عليها حكم منسجم، وأكثر من يعقّد الانتقال الى ما بعد إميل لحّود (اللهم إلا إذا كان هو نفسه هذا الما بعد... وحين نقول هو، نعني امتناع التسوية مع قطاعات وطوائف بكاملها).

والجنرالان يجمع بينهما، أيضاً، «أنا» متضخّمة لا تخدمها الوظائف والقدرات الأخرى المتوافرة، أضافت الحياة العسكرية اليها بعض ما يتمّم تضخّمها. إلا أن قاسماً مشتركاً آخر يلتقيان عليه هو أن الاثنين مادة لاستخدام الشيخ، السيّد حسن نصرالله. فالأخير يعيش اليوم على ما يفعله الجنرالان إذ يؤجّلان السياسة ويجعلان الشخصي تارة، والطائفي طوراً، مباشرةً مرةً، مداورةً مراتٍ، حاجزاً دون رؤية الوضع متكاملاً ومركّباً على ما هو عليه فعلاً.

ووضع كهذا هو ما رسمه تقرير تيري رود لارسن في ربطه أجزاء «النظام» التي يميل اللبنانيون الى تفكيكها لدى الحديث عمّا عانوه ويعانونه. فالتقرير الدولي قال، بلغة أخرى، إن سلطة الجنرالات الأربعة المسجونين، وفوقهم رستم غزالي، وقبلهم غازي كنعان، لا تنفصل بحال عن سلطة «المقاومة» في ازدواجها مع الشرعية وفي اصطدامها بالقرار الدولي.

وقد تكفّلت عراضة الأمس، والانتقال من 8 شباط (فبراير) السياسية الى التظاهر العسكري، تبيان الدور الاحتياطي لـ»حزب الله» في خدمة «نظام» هو جزء لا يتجزأ منه، يتقوّى به بقدر ما يقوّيه.

وهذا، بطبيعة الحال، ليس دعوة الى تطبيق القرار 1559 فوراً، وفي معزل عن الأكلاف التي قد تكون كبيرة. ولم يبد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والسياسيون الآخرون غير الحكمة حين أصرّوا، مثنى وثلاثاً، على أن الأمر رهن بحوار داخلي بين اللبنانيين. غير أن الاضطرار الى الحوار في البديهي لا يغني عن تسجيل البديهي، كما لا يلغي احتمال عدم إفضاء الحوار الى اتفاق. وهو ما ينبغي، دوماً، افتراضه والتفكير فيه بدل التسليم بطاقة سحرية لـ «الحوار»!

وهنا، يهبّ الجنرالان، من موقعيهما، لمنع الارتقاء الى سويّة الجدّ، ولإنجاد الشيخ بالتالي. وخدمات جليلة كهذه تحمل على تقديم اقتراح للسيد نصرالله، كأن يهدي رشّاشي المقاومة ورمزيها الثاني والثالث للرئيس لحود والعماد عون، بعدما ذهب رشّاشها الأول الى السيد رستم غزالي.

إن الشيخ يجيد «السياسة» أكثر مما يجيدها الجنرالان، وطبعاً يجيد الحرب أكثر منهما بكثير. لكنه كله قد ينتهي لعباً خطيراً في وقت مائع.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)