أول من أمس، توعّد الجهاد الإسلامي بالانتقام في أعقاب تصفية "كبير المطلوبين في الضفة" لؤي السعدي. العناوين الصحافية ما زالت موضوعة، والعملية ـ يبدو أنها عملية انتقامية ـ وصلت أسرع من المتوقع. الجهاد أعلن مسؤوليته عنها، وعد ونفّذ.

وبالأمس فقط بُشّرنا من قبل المحافل الأمنية بأن: "الجهاد الإسلامي سيجد صعوبة في استعادة قدرته العملياتية في المدى القريب إثر عملية التصفية". أي عجرفة هذه. عجرفة من وعدونا مرة تلو الأخرى بأن الانتفاضة قد انتهت. لم يعدونا فقط بأن الفلسطينيين قد حُسموا وإنما قالوا بأنهم قد هُزموا فعلاً. من المثير أن نعرف ماذا تقول هذه المحافل اليوم.

المحزن في كل هذه القصة هو أن أمامنا هنا رائحة "النظرية" المعروفة وسيئة الصيت من الفترة التي سبقت حرب يوم الغفران. حينئذ أيضاً صدرت أقوال رهيبة من دون رصيد. حينئذ أيضاً ابتعدت التقديرات مسافة آخذة في التباعد عن الحقائق. "النظرية" استندت حينئذ أيضاً على الغرور، وها هو الشريط يتكرر الآن.

السرعة المذهلة للجهاد في الرد تثير سؤالين صعبين: أولاً هل كان "الشاباك" والجيش الإسرائيلي هما السبب في الهبوط الحاد في مستوى الإرهاب أم أن "التهدئة" والاتفاق الفلسطيني الداخلي، الأخت الصُغرى للتهدئة، هما السبب؟ هناك شك في وجود إجابة قاطعة على ذلك. الأمر الواضح هو أن هذه العملية السريعة ترجّح الكفة لصالح الإمكانية الثانية تحديداً. إذا رغب الفلسطينيون نفذوا، وإذا شاؤوا منحونا بعض الهدوء. صحيح أن هناك إمكانية لأن تكون هذه العملية قد خططت مسبقاً من دون أي صلة بالتصفية. ولكن تصادف الأحداث في هذه الحال، يبدو مثيراً للاستغراب الشديد. هل أن الحظ ابتسم للجهاد بهذا القدر الكبير؟

السؤال الثاني هو أين اختفى الجدار الفاصل؟ وهل بقيت في شمالي الضفة ـ حيث استكمل البناء ـ مناطق مخترقة؟ من المبكر الإجابة. لكن الى أن تتضح كيفية دخول الانتحاري لن نحصل على إجابة واضحة. الجدار قد برهن عن جدواه. ليس هناك جدل حول ذلك تقريباً. لم تنطلق من غزة عملية واحدة ـ واحدة! ـ عبر الجدار. كانت هناك محاولات فشل كلها. العملية الوحيدة التي خرجت من غزة في ميناء أشدود تمت بواسطة الاختباء في شاحنة نجحت في خداع المفتشين. وعليه من السابق لأوانه نعي الجدار.

هل الاستنتاج هو أن لدينا خمسة قتلى على الأقل بسبب عملية تصفية واحدة؟ يجدر بنا أن نعترف، على الأقل، أن الأمر يشكل مادة للتفكير، ذلك لأننا قد شاهدنا هذا الفيلم في السابق. التصفيات التي تجرّ العمليات التي تجر التصفيات، وهلمّ جرّا. في ميزان القتلى فقد الفلسطينيون أكثر منا بكثير، ولكن يا ويلنا إذا شكّل هذا الأمر سبباً للشعور بالفرح. ويا ويلنا أكثر إذا عادت قيادتنا الأمنية الى أيام "النظرية" الظلامية التي تقوم كلها على الغطرسة والتبجح. في هذه الأثناء ثمة خشية، وأكثر من خشية، من أن يكون الوضع كذلك بالضبط.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)