ليس صدفة اعتماد الجيش الإسرائيلي على التصفيات في محاولة لكبح موجة الإرهاب المتصاعدة منذ إتمام فك الارتباط. فثمة تصور قائم في المؤسسة الأمنية مفاده أن الأمر يتعلق بالوسيلة الأفضل لإقناع قادة المنظمات الإرهابية أن العمليات ستكلفهم غالياً.
وفقاً للتصور ذاته، فإن كبار المسؤولين الذين لا يوفرون حياة الناشطين الصغار المرسلين من قبلهم لتنفيذ عمليات انتحارية، الذين لا يشفقون على السكان الفلسطينيين الذين قد يتضررون جراء الخطوات الإسرائيلية التي تعقب العمليات، يهتمون طبعاً بحياتهم. الدليل، ظاهرياً، على أن التصفيات تمنع العمليات، يكمن في الادعاء بأن غياب قادة حماس أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، عن الحلبة قبل نحو عام ونصف، هو الذي دفع فلول قيادة الحركة لاختيار التهدئة في نهاية المطاف.
يأملون في المؤسسة الأمنية أن يؤدي أسلوب التصفيات الى كبح جماح حركة الجهاد الإسلامي التي استخف قادتها حتى الآن بالاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينية إزاء فترة الهدوء. وليس هناك أدنى شك في أن سياسة التصفيات ساعدت بالفعل على كبح جماح الإرهاب في السنوات الأخيرة. فالدراسات التي جرت في المؤسسة الأمنية تظهر بشكل عام وجود صلة مباشرة بين سلسلة التصفيات الناجحة وبين انخفاض نطاق الإرهاب.
تجدر الإشارة بشكل خاص الى حقيقة نجاح سلاح الجو في التسبب بتراجع عدد المصابين الأبرياء الى الصفر تقريباً خلال الهجمات التي نفّذها في العامين الأخيرين. وهذا الإنجاز تم بفضل الاستخبارات الممتازة، التحسينات التكنولوجية الجوهرية على صعيد وسائل الهجوم، وبشكل خاص بفضل الصبر الكبير. ففي السنوات الأخيرة، عندما برزت مخاوف بسيطة من إمكانية تضرر فلسطينيين أبرياء جراء عمليات التصفية من الجو، أُعطيت بشكل دائم تقريباً توجيهات لإرجاء تنفيذ التصفية الى فرصة أخرى يظهر فيها المطلوب وحيداً على المهداف.
الضرر أكبر من الفائدة
النجاح السابق تحديداً في عدم المس بالأبرياء، يطرح أسئلة إزاء نتائج التصفية أمس. فالعملية الأخيرة نُفذت في أعقاب مصادقة منحها وزير الدفاع إثر انفجار الخضيره، لتصفية مسؤولين كبار من ضمن قائمة مُعدّة سلفاً تشمل قيادة الجهاد الإسلامي، من دون الحاجة الى أي مصادقة إضافية. والهدف من ذلك كان جبي ثمن فوري وباهظ بشكل خاص من هذه الحركة.
لكن في ضوء النتائج الشديدة، يُطرح السؤال حول ما إذا كان الجيش الإسرائيلي فقد تجلّده المطلوب جداً لمحاربة الإرهاب. صحيح أنه لم يكن هناك أي نية لقتل أبرياء، بالطبع، لكن هل اتُخذت كل وسائل الحذر كي لا يتم هذا الأمر؟ ومن دون أي صلة بنتائج التحقيقات التي ستظهر لاحقاً، من المهم أن يتذكر كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية أن تجارب الماضي إزاء التصفيات ليس حاسمة. ففي حالات معينة من شأن التصفيات أن تجلب ضرراً أكبر من الفائدة المرجوة منها.
على سبيل المثال، تصفية زعيم حزب الله عباس الموسوي، سنة 1992، أنتجت حسن نصرالله الكاريزماتي، كما أن تصفية المسؤول الكبير في حركة فتح من طولكرم، رائد الكرمي، في كانون الثاني 2002، دفع هذه الحركة أيضاً لتنفيذ عمليات انتحارية في الداخل الإسرائيلي وقطع بذلك فترة الهدوء النسبي. هذه النماذج تُثبت أن استخدام التصفيات يجب أن يتم بفطنة ومنطق في كل حالة. في هذه الأثناء، صادقَ موفاز أمس للجيش الإسرائيلي على استمرار الضوء الأخضر لخفض عدد الأسماء في قائمة كبار قادة الجهاد الإسلامي.