مثلما يستدرج رئيس لجنة التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الارهابية القاضي الالماني ديتليف ميليس النظام السوري الى كمائنه وهو الخبير بأسلوب عمل الاستخبارات السورية التي تربت في احضان الاستخبارات الالمانية الشرقية التي اصبحت اوراقها وملفاتها وأساليبها بأدق تفاصيلها في يد ميليس بعد ان حقق في جريمة تفجير ملهى ((لابال)) في برلين وتوصل الى أدق تفاصيل عمل الاستخبارات الليـبية (زميلة السورية) التي كانت وراء هذه الجريمة، فإنه بدهائه ايضاً يستجيب وفي الاطار القانوني للطلب الدولي (كوفي عنان) الفرنسي (جاك شيراك) لتأجيل نشر اسماء اركان النظام السوري الامنيين تحديداً وداخل دمشق في فرصة للعاصمة السورية مرتبطة زمنياً بالمدة التي طلبها ميليس عبر الحكومة اللبنانية حتى 15/12/2005 للاستمرار بالتحقيق في الجريمة الارهابية.

وهذا ما استدعاه لعقد مؤتمر صحافي غداة تقديمه تقريره المهني الجدي حول نتائج تحقيقاته في العمل الارهابي ليواجه الاسئلة التي وصلت الى حد الاتهام بأنه يخفي الحقائق خاصة في واقعة شطب اسماء قادة الامن السوريين اللواء آصف شوكت، والعقيد ماهر الاسد ود. بهجت سليمان وشطب واقعة لقاء هؤلاء وعدد من قادة الامن اللبنانيين الموقوفين الآن في سجن رومية بتهمة اخفاء حقائق وشبهة التخطيط للجريمة المروعة.

ميليس يملك 450 دليلاً على مشاركة اركان النظام الامني السوري الحاكم في لبنان خلال 15 سنة وتابعه اللبناني في جريمة قتل الحريري.. قدم بعضها في تقريره العلني واحتفظ بالباقي الى حين تشكيل المحكمة الدولية بمشاركة قضاة لبنانيين على الارجح، ومن ضمن الادلة التي لم يعلنها ما يؤكد ان الامنيين الذين قتلوا الحريري تلقوا تعليماتهم من قادتهم في سوريا.

ميليس يملك دليلاً من شاهد سوري على اجتماع عقد في قصر المهاجرين في دمشق اورده في تقريره الرسمي لمجلس الامن ورفض تسريبه الى الاعلام، لأنه حسب رده في المؤتمر الصحافي نفسه انه خص به مجلس الامن ولم يكن ((يعتقد)) انه سيتم تسريبه الى الاعلام.

وعلى هذا المنوال تأتي الادلة الاخرى.

وعلى هذا الاسلوب سيتم اعطاء الفرص (القانونية) لفرنسا كي تفتح الباب امام مخرج لسوريا لتتعاون مع لجنة التحقيق الدولية حتى لا تظهر كأنها تعاند المجتمع الدولي الداعم لهذه اللجنة.

وكان الرئيس بشار الاسد اوحى من خلال توقيت حديثه مع شبكة (سي.ان.ان) الاميركية قبل صدور التقرير بـ 24 ساعة، وفي مضمون حديثه بأنه سيعتبر كل مسؤول سوري شارك بجريمة قتل الحريري ورفاقه خائناً، انه سيتعاون مع هذه اللجنة.

ميليس قدم ادلة عديدة من الـ 450 وأبقى الكثير ليقدمه في المحكمة الدولية التي سيشكلها مجلس الامن، ومن ضمن الادلة التي لم يكشفها حتى الآن فضلاً عن الاجتماع الاساسي في قصر المهاجرين استناداً الى شاهد سوري مهم ادلة زودته بها الاستخبارات البريطانية عن الاتصالات الهاتفية التي جرت قبل وغداة وقوع الجريمة في 14/2/2005.

فالاستخبارات البريطانية تسلمت من قاعدتها في (اكروتيري) في قبرص آلاف الاتصالات الهاتفية جرى تحليلها جميعاً عبر احدث الاجهزة لتثبت اسماء الشخصيات اللبنانية والسورية التي اجرتها وطبيعة مواقفها وعناوين محادثاتها الامنية والسياسية والاجرائية، وهو ما دفع وزير خارجية بريطانيا ليكون اول من يعلن رسمياً وجهاراً ان الاستخبارات السورية ضالعة في ارتكاب الجريمة وبعد عدة اسابيع على وقوعها.

ويملك ميليس ايضاً دليلاً على رقم الهاتف الذي تحدث عبره مسؤول الاحباش احمد عبدالعال وشقيقه محمود عبدالعال مع هاتف خاص برئيس الجمهورية في لبنان اميل لحود وهو 999777/03، وهذا الرقم يؤكد ميليس انه خاص بإميل لحود وهو الرقم الذي يحدثه عليه عبدالعال مع التذكير بأن شقيق احمد ومحمود عبدالعال هو المقدم وليد عبدالعال وهو المرافق العسكري الخاص للسيدة اندريه لحود وهو المساعد الاول لقائد الحرس الجمهوري الموقوف العميد مصطفى حمدان.

شهادة تيري رود لارسن

اما ابرز الادلة التي يخفيها ميليس عن الاعلام وستظهر امام مجلس الامن ومن ثم امام المحكمة الدولية فهي شهادة مبعوث الامين العام للامم المتحدة لتطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن وهي الاطول بين الشهادات الاخرى والادسم من ناحية المعلومات التي قدمها سياسياً وأمنياً وواقعياً.

شهد لارسن امام ميليس ان اللواء جميل السيد قال له بالحرف بعد صدور القرار 1559: انكم ما زلتم تراهنون على ان الحريري سيعود رئيساً للوزراء في لبنان وانا اقول لك ان الحريري لن يرى رئاسة الوزراء بعد الآن.. في حياته.

وشهد لارسن امام ميليس عن واقعة لقائه الاول مع الرئيس السوري بشار الاسد بعد صدور القرار الدولي نفسه وقوله له ان المطلوب من سوريا ان تسحب جندياً سورياً واحداً من لبنان شرط ان يكون رستم غزالة لكي تنتهي مشكلة سوريا مع المجتمع الدولي وكي يفهم العالم ان دمشق بصدد التعامل الايجابي مع القرار الدولي. وان الاسد رد عليه بحسم قائلاً:

((مستر لارسن: انت تطلب مني اتخاذ اصعب قرار في حياتي، فهذا الضابط السوري هو رجلي الاول في لبنان وهو يتلقى تعليماته مني شخصياً)).

رود لارسن – الاسد

اللقاء الثاني

ويكمل رود لارسن شهادته امام ميليس عن لقائه الثاني مع الرئيس الاسد ليشرحه مطولاً قائلاً:

((حدد السوريون موعداً لي مع الرئيس بشار الاسد في دمشق قبل عدة ايام من اغتيال الحريري أي يوم الثلاثاء في 8/2/ 2005، ذهبت الى هناك والتقيت وزير الخارجية فاروق الشرع لأسمع منه تساؤلاً بغضب.. لقد سمعنا انك ذاهب يوم الخميس لمقابلة الرئيس جاك شيراك في باريس، وانا اريد ان اسألك وما هي علاقة شيراك بلبنان وسوريا حتى تذهب لمقابلته بعد لقاءاتك معنا.. انت مبعوث دولي ولست مبعوثاً لشيراك.. فيرد رود لارسن: معالي الوزير لقد اتيت الى دمشق لتسليم الرئيس بشار الأسد رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وسأبحث معه القضايا التي جئت من أجلها، فيرد الشرع وكأنه ينهي الاجتماع.. عليك أن تعرف ان السيد الرئيس لن يراك وإذا كان معك رسالة له فسأتسلمها منك الآن.. ينتهي الاجتماع ولا يسلم المبعوث الدولي أي شيء للشرع ويتوجه إلى مقر إقامته في فندق ((شيراتون دمشق)) ليجري اتصالاً مع السفير الفرنسي في العاصمة السورية فيأتي السفير إلى الفندق ليسأله عن موعده مع الرئيس شيراك فيخرج السفير الفرنسي إلى سيارته في موقف فندق ((شيراتون دمشق)) ويجري اتصالاً مع باريس ويعود ليؤكد لرود لارسن وبعد دقائق ان الرئيس شيراك سيستقبله في أي وقت كان حتى لو كان يوم سبت أو أحد وهما يوما العطلة الرسمية في فرنسا.

هنا يتهم السوريون الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأنه هو الذي رتب موعد المبعوث الدولي مع شيراك، فيفاجأ رود لارسن بعد لقائه مع السفير الفرنسي في دمشق بمن يتصل به من القصر الجمهوري السوري ليبلغه ان الرئيس الأسد سيقابله يوم الخميس أي في الموعد الأول الذي كان شيراك سيستقبله فيه.

ماذا حصل في اللقاء؟

رود لارسن ركز في هذا اللقاء على تطبيق القرار الدولي 1559 والرئيس الأسد تحدث مطولاً عن العلاقات التاريخية التي تربط لبنان بسوريا.. حتى يصل الحديث إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري فيستمع رود لارسن من بشار إلى كلمات قاسية جداً منه بحق رفيق الحريري.. منها ان هذا الرجل يلعب أدواراً قذرة جداً ضدنا، وانه يريد إخراجنا من لبنان ليجيء بأصحابه الفرنسيين والأميركان (الخميس في 10/2/2005).

الحديث بين الأسد ورود لارسن وصل إلى جاك شيراك في باريس بعد خروج المبعوث الدولي من دمشق، ووصل إلى الرئيس رفيق الحريري بعد ساعات ومن عدة مصادر لبنانية وعربية ودولية وكلها تحذر من ان الغضب السوري وصل إلى أعلى المستويات منه ومن أعلى المستويات في سوريا فكان رده العلني: لا أظن ان السوريين يمكن أن يقدموا على شيء ضدي فأنا لدي حصانة كبيرة، والسوريون ليسوا مجانين كي يقدموا على قتلي.

آصف شوكت

ومساء السبت في 12/2/2005 يقاطع الحريري المعلومات التي تتجمع ضده، وهو لا يبالي، فيجيئه اتصال من شخصية عربية كبيرة تتردد على لبنان كثيراً تطلب منه موعداً عاجلاً فتجيء الشخصية لتبلغه انها التقت رئيس جهاز الاستخبارات السورية اللواء آصف شوكت في دمشق بعد الظهر وان الرجل يقول انك تتآمر على سوريا وانك تريد أن تحل الفرنسيين والأميركان محل السوريين، وانهم يتصلون بك للمجيء إلى دمشق للتفاهم وانك ترفض الرد.

يبتسم الحريري ويرد.. هم الذين لا يريدونني ويقولون عني انني خائن وقد أبلغت مسؤولين عرباً كباراً على صلة بالرئيس بشار الأسد المعلومات التي تتقاطع عندي حول تهديدات منهم وطمأنوني بعد فترة اتصلوا خلالها بالأسد بأن لا شيء ضدي.

ويتابع الحريري: لقد أرسلت للأسد وها أنا أقول لك، قل له أو لآصف شوكت لو ان الحريري جمع أكثر من مئة نائب في البرلمان في الانتخابات المقبلة (أيار/مايو 2005) فإن الحريري لن يشكل حكومة في لبنان إلا بموافقة بشار الأسد.

تخرج الشخصية العربية من عند الحريري ليلاً لتجري اتصالاً مع اللواء شوكت في دمشق لتنقل له قول الحريري، فيكتفي المسؤول الأمني السوري بالاستماع دون أي تعليق.

يملك ميليس 450 دليلاً على مشاركة النظام الأمني السوري وتابعه اللبناني بالجريمة ويملك أدلّة ظهر رأس جبل الجليد منها على أوامر من دمشق على أعلى المستويات بالأمر والتخطيط لارتكاب الجريمة وهو يحفظها لمواجهة المحكمة الدولية بها: أدلّة وشهوداً.

تداعيات الأدلة

أفرزت أدلة ميليس وشهوده تداعيات تظهر تراجعاً في الموقف السوري الفعلي على تقريره يتم تداولها في الكواليس الدولية والعربية أهمها:

ان دمشق على استعداد لتسليم رئيس جهاز الاستخبارات السورية في لبنان رستم غزالة للقضاء الدولي كأرفع مسؤول سوري تستطيع سوريا تحمل تسليمه كمشتبه به في جريمة اغتيال الحريري وبالتالي تستطيع دمشق تحمل من دونه رتبة وفي لبنان خاصة في بيروت لكنها لا تستطيع تحمل تسليم من هو أعلى منه رتبة في دمشق وتحديداً الرئيس المباشر لرستم وهو اللواء آصف شوكت.

لكن القاضي الألماني ميليس يرد على هذا التداول بالقول ان هذا غير كافٍ.. فأنا أعرف من خلال تحقيقاتي ومن خلال الشهود ومن خلال طبيعة الوصاية السورية على لبنان ومن خلال فهمي لطبيعة عمل الاستخبارات السورية (نسخة طبق الأصل عن الاستخبارات الألمانية الشرقية التي نظمت استخبارات دمشق) ان غزالة هو مجرد أداة تنفذ ما يطلب منها في دمشق تماماً مثلما ينفذ الضباط اللبنانيون الأوامر التي تأتيهم من عنجر.

ميليس يقوم بواجبه كقاضي تحقيق وهو سيحول ملفه إلى المدعي العام كي يدعي على المشتبه بهم الذين وردت أسماؤهم في القرار الظني الذي قدمه، وهو سيذهب إلى المحكمة الدولية كي يقول كل شيء، أما في المداولات السياسية الخاصة بالموقف من سوريا فهذا أمر آخر لا شأن لميليس به.

لا رأي لميليس مثلاً بما تريده أميركا وبريطانيا وما ترد عليه فرنسا.

أميركا تريد فرض عقوبات على سوريا وفقاً للبند السادس من ميثاق الأمم المتحدة تمهيداً لفرض تطبيق البند السابع بالعمل المسلح ضد دمشق، لأن أميركا تراهن على ان عقلية النظام السوري هي كعقلية النظام العراقي السابق أي الرهان على المجهول وضرب الرأس في الحائط واستخدام سلوك شمشون عليّ وعلى أعدائي يا رب.

أما فرنسا فهي تريد منع دمشق من الانتحار وتريد اعطاءها فرصة حتى 15/12/2005 تاريخ انتهاء لجنة التحقيق الدولية من مهمتها وتسليم تقريرها الحاسم لمجلس الأمن.. وهنا أيضاً تراهن باريس على عقلانية ما في مكان ما في سوريا تستوعب ما يجري حولها لتنقذ سوريا أولاً وحتى لتنقذ النظام نفسه بإقناعه بتسليم الضباط السوريين المتورطين في جريمة اغتيال الحريري مهما علت رتبهم ومواقعهم وقربهم من بشار الأسد نفسه.

دمشق حتى الآن تقول خذوا رستم غزالة واتركوا الباقين، وميليس يقول كل المتورطين إلى المحكمة.. وهو قال قبل ذلك أخرجوهم من سوريا إلى أي مكان تختارونه للتحقيق معهم.. فلدي الأدلة ولدي الشهود فإن كانوا أبرياء فخذوهم وان كانوا مشتبهاً بهم فإلى التوقيف الحقيقي.

حتى الآن

قدمت سوريا عرضاً واحداً هو تسليم رستم غزالة ومن دونه رتبة أو موقعاً في لبنان وميليس يرد هذا لا يكفي، فترد دمشق بتظاهرات منددة بميليس ومواقف رافضة.. وباريس لم تفقد الأمل لكن أميركا بالمرصاد مراهنة على غياب العقلانية في دمشق كما كانت سابقاً في بغداد.

مصادر
الشراع (لبنان)