وقوف روسيا الاتحادية حائلا دون تطبيق عقوبات فورية على النظام السوري في مجلس الامن الناظر في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، ليس نهاية المتاعب مع المجتمع الدولي. فحتى موسكو الراغبة في منع واشنطن من تحقيق تقدم جوهري على المسرح السوري على حسابها لا يخفى عليها ان النظام الحاكم في سوريا متورط حتى اذنيه في جريمة اغتيال الحريري ، و ان العالم بأسره بدءا من العرب ( مصر و السعودية و الاردن و الجزائرو تونس و المغرب و دول الخليج ) لا يشك لحظة في مسؤوليته في الجريمة. وهذا ما يفسر هذه البرودة الكبيرة حيال الرئيس بشار الاسد شخصيا وحيال اركان نظامه الذين ينكرون كل صلة بالجريمة . و الحال ان الصدام السوري مع الاميركيين حول مسائل العراق والداخل الفلسطيني ولبنان لم يكن ليكون سببا كافيا لاشاعة مناخات الانزعاج العربية الواضحة للعارفين. وانما سبب هذه المناخات هي القناعة الراسخة التي لا يشذ عنها مسؤول من المحيط الى الخليج في ان نظام بشار الاسد مسؤول في مكان ما عن قتل الحريري( تذكروا قمة الجزائر) ، وهي المعطى الاساسي الذي دفع معظم الحكومات العربية الى ادارة ظهورها عن النظام السوري ليواجه مصيره وحيدا .

واذا كانت مصر التي جاهدت منذ ازمة قرار التمديد لاميل لحود الذي اتخذه بشار الاسد شخصيا رغما عن اللبنانيين و العرب و العالم ، من اجل تقديم النصح للنظام السوري لثنيه عن التهور، لم تلق اذانا صاغية فحصل التمديد بالطريقة المهينة التي نعرف ، و اطيح بالحريري ، ثم جرى اغتياله – اذا كانت مصر جاهدت و لما تزل لتقديم النصح فهي تكاد تفقد صبرها حيال نظام دأب على خرق وعوده و التزاماته من دون ان النظر الى الغيوم التي تتجمع في سماء سوريا منذرة بعاصفة هوجاء تعيدنا بالذاكرة الى زمن سقوط بغداد. و الرئيس حسني مبارك الذي يعرف في قرارة نفسه من قتل الحريري ، يعزّ عليه ان يرى كل هذه النصائح التي قدمها الى رئيس شاب ورث جمهورية و لم يعرف كيف يحافظ عليها تذهب ادراج الرياح . و عوضا عن الانصات يعود الرئيس السوري الى استعادة خطاب يذكّر بالمرحلة التي باشر فيها عهده "محاضرا" من خارج العصر في القمم العربية امام زعماء وقادة مخضرمين لم يخفوا كثيرا تبرمهم !و انتهى به الامر الى اتخاذ قرارات ادت بنتائجها الكارثية الى دخول سوريا في اكبر و اعمق ازمة في تاريخها مع معظم العالم .حقا انها وضعية لا سابق لها في تاريخ سوريا الحديث.

ان حؤول روسيا و ربما الصين في المرحلة الحالية دون عقوبات على النظام السوري ينبغي- في حال حصوله- ان تقراه القيادة البعثية في سوريا على انه فرصة في مرحلة تكاد تنعدم فيه الفرص للقيام بتغيير جذري في سلوك النظام في محيطه الاقليمي و التعاون جديا مع لدنة التحقيق الدولية لتسليم قتلة الحريري ايا يكونوا... . فلا يتوهمن احد على غرار السيد فاروق الشرع ان النظام حقق انتصارا. فالازمة التي يواجهها النظام البعثي في سوريا اخطر و اعمق من ان تختصرها تقارير الشرع امام مجلس الشعب الموحية بشيء من الانتشاء المفبرك الذي لا يقوم على اسس موضوعية.
ان الخيارات امام النظام السوري قليلة و احلاها مرّ عل قلب الرئيس السوري . والمسالك للخروج من الازمة الكبرى شبه مسدودة. ومع ذلك نوافق الاخوة في القاهرة في نصحهم للاسد بأنه حان الوقت لاحداث تغيير جذري و مؤلم في السلوك السوري على المستويات كافة لان زمن التبادلية مع الاميركيين قد ولى ، بحيث ان تسليم قتلة الحريري - بصرف النظر عن اهمية لبنان او عدمها- صار بندا اساسيا على الاجندة الدولية كإحدى البوادر المطلوبة من الرئيس السوري دليلا على ان التغيير بدأ و ينفذ بالافعال وليس بالاقوال وحدها. انه خيار العقل و الحكمة .

اما الخيارات الآخرى امام الاسد فهي الاستمرار في التهور و صولا الى سقوط النظام بأسره. و لنا من تجربة صدام حسين الواقف اليوم امام محكمة الشعب العراقي دروسا معبرة.

مصادر
النهار (لبنان)