تقرير القاضي الألماني ميليس الذي عينته الامم المتحدة للتحقيق في قضية إغتيال رفيق الحريري هو الشغل الشاغل الآن لمحطات التلفزة العربية والعالمية ليس لأنه تقرير فريد من نوعه أو لأن المعلومات الواردة فيه هي معلومات غير مسبوقة بل لأن أهداف هذا التقرير واضحة وضوح الشمس وهي إدانة سوريا بدون أن تكون هناك أدلة واضحة وموثقة والمهم ليس الادانة أو المعلومات الواردة في هذا التقرير لكن المهم هو ما بعد التقرير والاجراءات التي سيتخذها مجلس الامن بتوجيه من الادارة الأميركية ضد سوريا . الحملة الموجهة ضد سوريا الآن من الولايات المتحدة ومعها فرنسا بشكل رئيسي وبريطانيا بشكل غير مباشر الى حد ما تشبه الحملة التي سبقت العدوان على العراق فقد ملأت أمريكا العالم بادعاءاتها بأن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل من أجل تبرير إحتلاله مع أنها تعرف ويعرف العالم أجمع بأن هذه الأسلحة غير موجودة لكن هذه الحملة استمرت الى ما بعد احتلال العراق الى أن ثبت بوجه قاطع بأن هذا الادعاء هو كذبة لتبرير الحرب فقط وها هو نفس السيناريو يتكرر الآن مع سوريا لكن بشكل مختلف الى حد ما لأن التجربة الأميركية القاسية في العراق جعلت إدارة الرئيس بوش تستبعد مسألة الغزو العسكري وستلجأ الى خيارات اخرى وهي العقوبات الاقتصادية والسياسية والحملات الاعلامية المستمرة والتهديد والوعيد .

الآن تقوم سوريا بحملات إعلامية لإثبات أن تقرير ميليس هو تقرير مسيّس ولا يقدم أي دليل مادي على أن أي مسؤول سوري له علاقة بقتل الرئيس الحريري لكن هذه الحملات الاعلامية لن تجدي نفعا لأن هناك إستحقاقات على سوريا يجب تنفيذها وأهم هذه الاستحقاقات ضرورة تعاون السوريين لوقف تدفق المسلحين الى العراق عبر حدودها والموقف السوري تجاه اسرائيل وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية ولن تقبل إدارة الرئيس بوش بغير هذه الاستحقاقات .
المطلوب من سوريا الآن أن تتعامل مع هذه المسألة عن طريق استراتيجية هادئة ومدروسة وهذه الاستراتيجية يجب أن تعطي أثرها الفعال حتى نهاية الفترة التي حددتها الامم المتحدة لميليس لاستكمال تحقيقاته التي تنتهي في الخامس عشر من من شهر كانون الاول المقبل . ومن أهم ركائز هذه الاستراتيجية أن تتعاون مع ميليس الى نهاية الشوط حتى لا يقول بأن سوريا لم تتعاون معه كما يجب وحتى لا تأخذ أمريكا هذه الحجة لتبرير موقفها المتصاعد ضد سوريا .

هذه نقطة أما النقطة الأهم والتي تعتمد عليها سوريا عندما يصوت مجلس الأمن على أي قرار ضد سوريا فهي الموقف الروسي والموقف الصيني وهذه المسألة يعتقد المحللون السياسيون بأنها غير مجدية لأن هناك مصالح لهاتين الدولتين لدى أمريكا أهم من مصالحهما مع سوريا ونحن نعرف بأن الادارة الأميركية لديها من وسائل الضغط السياسية والاقتصادية ما يكفل لها تصويت هاتين الدولتين لصالح القرار الذي ستتبناه أو على الأقل إمتناعهما عن التصويت وهذا ما حدث بالضبط مع القرارات التي إتخذها مجلس الأمن ضد العراق قبل شن الحرب عليه .

بقيت مسألة هامة أخرى وهي أن الدول العربية لن تقف مع سوريا في هذه المحنة لأن هذه الدول لن تستطيع أن تقف ضد الارادة الأميركية ولن تضحي بمصالحها مع هذه الادارة من أجل عيون سوريا وإذا ما فرض مجلس الأمن أي عقوبات إقتصادية على سوريا فأكثر الدول إلتزاما بهذه العقوبات ستكون الدول العربية وحجتها في ذلك أنها لا تستطيع مخالفة قرارات مجلس الأمن الدولي .
لا يوجد مواطن في العالم العربي أو في العالم أجمع لا يعرف بأن سوريا مستهدفة وتقرير ميليس الذي أدان سوريا بدون أن يكون فيه دليل مادي واحد سوف يدينها مرة أخرى في التقرير اللاحق لذلك فأننا نتمنى أن يتصرف الحكم في سوريا بعقلانية وبشكل هاديء ومدروس مع كل المستجدات لأن هذا البلد العربي الذي نحبه مستهدف مهما فعل لكن لنحاول أن نخفف من وقع الضرر قدر الامكان ونثبت للعالم أن الدارة الأميركية هدفها الأول والأخير حماية جنودها في العراق وحماية اسرائيل وكسر شوكة النظام السوري لذلك فإن على الحكم في سوريا أن يكون قادرا على التعامل مع هذه المعطيات بمنتهى العقلانية والدبلوماسية الهادئة ويجب أن يكون ما جرى في العراق درسا مفيدا لنا علينا أن نستفيد منه إفادة عملية وواقعية .

مصادر
الدستور (الأردن)