يبدأ التحقيق بالصغار حتى تصل النار إلى أقدام الكبار، فهل يطال التحقيق مع سكوتر ليبي قدمي بوش؟! وهل تصل نار التحقيق مع آصف شوكت إلى قدمي الأسد؟!

ديتليف ميليس فتح طاقة جهنم على نظام الأسد، وباتريك فيتزجرالد يفتح طاقة في ادارة بوش المشهود لها بالكتمان، قد توصلنا إلى حقائق لم نعرفها عن حرب العراق، وقد تؤدي إلى انهيار إدارة بوش، كما قد يؤدي تقرير ميليس إلى تصدع في نظام الأسد. القصة معقدة وتحتاج إلى شرح وتوضيح في جانبيها القانوني والسياسي، وكذلك كشف الغموض في شخصية سكوتر ليبي وتعدد أدواره داخل إدارة بوش.

يبدو أن تحقيق فيتزجرالد يلف حبل المشنقة على رقبة إدارة بوش كما يدخل تحقيق ميليس نظام بشار الأسد في نفق مظلم. الغريب أنه وفي الحالتين سيكون العقاب نتيجة لتضليل العدالة، لا نتيجة للجريمة ذاتها.

ولنبدأ بجريمة سكوتر ليبي وتبعاتها على إدارة بوش، اتبعها بتبعات ذلك على النظام السوري وما تنوي الإدارة فعله تجاه الحلقة الضيقة في حكم بشار الأسد... فمن هو سكوتر ليبي؟!

مهم أن نعرف أن سكوتر ليبي ليس موظفاً عادياً، فهو مدير مكتب نائب الرئيس، ليس هذا وحسب وانما هو ايضاً مستشار نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي، كما ان له صفة اضافية وهي صفة مستشار الرئيس بوش. أي ان ليبي لديه مجموعة وظائف تجعله مفتوحاً على كل الجبهات في الحكومة الأميركية بأكملها، مهم جداً ايضاً ان نعرف عن ليبي أنه تلميذ بول وولفويتز أيام كان وولفويتز استاذاً في جامعة ييل والذي احضره معه إلى البنتاجون تحت إمرة ديك تشيني الذي كان يومها وزيراً للدفاع في ادارة بوش الأب. عام 1992 طلب تشيني من كل من وولفويتز وليبي اعداد تصور لشكل دفاعات الولايات المتحدة بعد حرب الكويت وبعد نهاية الحرب الباردة. هذا التصور هو الذي أدى إلى ما يعرف الآن بعقيدة بوش ورامسفيلد في استخدام الضربات الاستباقية لتحييد أعداء أميركا قبل أن يصلوا إليها. أهمية سكوتر ليبي ايضاً تأتي من كونه عضوا اساسيا في لجنة الحرب على العراق IRaq War Group، وكانت تلك جماعة عملها الرئيسي تسويق فكرة الحرب للرأي العام الأميركي. اذن نحن لا نتحدث عن شخص عادي، فاذا كان تشيني يدير الأمور خلف الستار للرئيس بوش، فإن ليبي كان يدير الأمور خلف الستار لنائب الرئيس، وهذا يضعه مقام الرجل الثاني في الحكومة الخفية التي أدارت الحرب على العراق.

سكوتر ليبي متهم بخمس جرائم، أخطرها بالنسبة لادارة بوش هي تهمة تضليل العدالة، فبدلاً من ان يعترف سكوتر ليبي بأنه مصدر المعلومات التي كشفت عن عميلة المخابرات السرية فاليري بليم، قال للمحلفين بعد أن أقسم اليمين، انه سمع بالقصة من ثلاثة صحافيين، من بينهم مراسلة «نيويورك تايمز» جودث ميبلر، وعندما تأتي محاكمة ليبي فمن الوارد ان تطلب المحاكمة شهادة نائب الرئيس، وقد يؤدي ذلك الى طلب شهادة الرئيس نفسه، لأنه كان مستشاراً للرئيس.

اتهام ليبي بتضليل العدالة في أميركا اشبه باتهام فاروق الشرع بتضليل العدالة في تقرير ميليس، اتهام سكوتر ليبي هو بداية النار التي قد تحرق قدمي نائب الرئيس الأميركي، بنفس الطريقة التي يكون فيها اتهام فاروق الشرع وآصف شوكت أو ماهر الأسد سيجر الرئيس السوري الى الادلاء بشهادته ايضاً.

اذاً كما فتح التحقيق حول اغتيال الحريري النار حتى وصلت الى مصير النظام السوري، يبدو ان شهادة ديك تشيني في فضيحة كشف هوية عميلة المخابرات الأميركية قد تصل الى الرئيس بوش نفسه، وان لم تصله عن طريق التحقيق مع تشيني فقد تصله في الاسابيع القادمة إذا ما اتهم باتريك فيتزجرالد رجل بوش الأول كارل روف، فإن الرئيس قد يطلب للشهادة، وهنا يبدأ الانهيار التدريجي للإدارة. قوة القانون الأميركي تفرض على الرئيس وعلى نائب الرئيس الإدلاء بشهادتيهما، فهل تستطيع قوة القانون الدولي إجبار الأسد على الإدلاء بشهادته في مقتل الحريري؟!.

إجبار الاسد على الادلاء بشهادته مرهون بقرارات مجلس الأمن وكذلك بالتدابير الاوروبية والأميركية تجاه نظام الاسد.

وقد عرفت من مصادر عليمة، ان الادارة الأميركية وكذلك الاوروبيين يبيتون النية لحصار نظام الاسد، ولكن بطريقة مختلفة عن تلك التي حوصر بها نظام صدام. التصور المطروح على الطاولة الآن يقول بتجميد اموال النظام واعمدته الرئيسية في البنوك الاوروبية وكذلك في بعض البنوك العربية، بتجميد أموال بعض أقارب الرئيس من رجال الاعمال. وكذلك تجميد اموال آصف شوكت، وماهر الاسد، ورستم غزالة، وفاروق الشرع، وعبد الحليم خدام وغيرهم. ليس ذلك فقط وانما هناك تصور يمنعهم من السفر خارج سوريا. هذا التجميد والمنع من السفر قد يصل الى الرئيس السوري نفسه. فهل تنقذ التحقيقات الأميركية مع بعض المسؤولين في ادارة بوش النظام السوري وتمنحه فرصة للمماطلة؟! ام ان ادارة بوش ستستخدم حربها على نظام الاسد كوسيلة للخروج من مأزقها الداخلي؟!

في التحليل السياسي لا يجب الاستهانة بما هو معروف باسم «الحيوانات» السياسية Political Animals التي تدير النظامين، فأساس الحكم هو غريزة البقاء، فلا ادارة بوش ستسلم بسرعة لتحقيقات فيتزجرالد، ولا نظام بشار سيرضخ لتحقيقات ميليس او حتى الامم المتحدة.

ربما اول مخرج للنظامين معا هو «نموذج عروسة النيل»، ففي مصر القديمة كان المصريون يلقون بفتاة جميلة للنيل حتى يتجنبوا فيضانه وغضبه، ويبدو ان ادارة بوش قد ألقت بسكوتر ليبي للمحقق الفيدرالي فيتزجرالد حتى لا يطال التحقيق نائب الرئيس، وقد يلقي جورج بوش بكارل رووف للنهر حتى يلتهمه وتبتعد التهمة عن الرئيس؟! فبمن سيلقي بشار الاسد ونظامه للنهر؟ ومن هي عروسة النيل، او عرائس النيل، التي قد يلقي بها نظام الاسد للمحققين الدوليين حتى يحمي ظهره هو؟

قد يلقي نظام الاسد اول من يلقي للنهر رستم غزالة، فهو ليس من الطائفة الحاكمة، والاستغناء عنه قد يكون سهلا، كما انه قد يلقي بالسنة في النظام مثل فاروق الشرع او بأبو جمال، لكنه ربما لا يلقي بأخيه ماهر او حتى بزوج أخته آصف شوكت، وبالطبع او ربما بالتأكيد لن يلقي بأي من آل مخلوف.

وبنفس الطريقة التي تراجع بها جورج بوش امام ضغط القوى الحقيقية التي تدعم ادارته من متشددي المحافظين وتراجع عن تأييده لمرشحته للقضاء الأعلى السيدة هاريت مايرز، فان الرئيس الاسد ايضا لا يستطيع اغضاب اركان نظامه. المؤسسة العلوية هي دعامة الاسد الاساسية بنفس الطريقة التي يكون فيها المحافظون المتشددون هم ملاذ جورج بوش الاخير، من هذا السياق تكون التضحية بآل مخلوف بمثابة خلخلة لاعمدة النظام Power base والمؤكد ان المخرج الوحيد لنظام الاسد هو مخرج «عروسة النيل» اي ان يلقي النظام بمجموعة من رجاله للنهر الغاضب؟ فهل سيؤدي ذلك الى الانهيار؟! ام ان النظام سيماطل ويلقي برجاله للنهر واحدا تلو الآخر على فترات متباعدة مراهنا على ان عامل الوقت في صالحه، وربما تنهار ادارة اليمين المحافظ قبل انهيار نظام الاسد؟!

في رقصة الموت هذه بين بوش والاسد، وارد جدا ان تدخل الادارة في حرب خارجية ضد سوريا ودفع الرأي العام الأميركي بعيدا عن مشاكل البيت الابيض، فسوريا الآن تصور على انها خطر على أمن المواطن الأميركي.

المهم في الموضوع ليس حجم او مسمى التهمة، وانما موضوع تضليل العدالة، وفي هذه الرقصة غير المتكافئة أشتم رائحة الانهيار، ولكن يبقى السؤال: أي النظامين سينهار اولا؟!

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)