دمشق ترفض حيثيات القرار إنما تُعلن التزامها التعاون مع التحقيق... وتدعو إلى قمة عربية

في رسالة قوية الى سوريا، تبنى مجلس الامن بالاجماع خلال جلسة وزارية امس، قرارا يستند الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، يطلب من دمشق تعاونا كاملا ومن دون شروط مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وصوت المجلس على القرار الرقم 1636، بعدما وافقت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي اعدت مشروعه، اثر مفاوضات مع روسيا والصين استمرت حتى اللحظة الاخيرة، على حذف الاشارة بصورة محددة الى التهديد بعقوبات اقتصادية والاستعاضة عنها بالنص على احتمال ان يبحث المجلس في اتخاذ "اجراءات اخرى" اذا لم تستجب سوريا. ويمكن القول اجمالا ان القرار، ابقى القضية في اطار الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة واستبعد التهويل السابق لاوانه بالعقوبات، انما احتفظ لنفسه في ضوء التحقيق بصلاحية اتخاذ الاجراءات التي يراها مناسبة في اطار هذا الفصل.

واصرت سوريا، من جهتها، على انها لم تمتنع عن التعاون مع التحقيق قائلة ان رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي ديتليف ميليس هو الذي لم يستمر في هذا التعاون.

وستتركز الاضواء الآن على امرين:

1 – كيف سيجري ميليس تحقيقاته، ومع من، واين (في سوريا ام في اوروبا)؟

2 – ماذا ستقترح لجنة التحقيق السورية على ميليس؟

الجلسة

وحضر جلسة مجلس الامن، الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان 11 وزيرا للخارجية بينهم وزراء الخارجية للدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس: الاميركية كوندوليزا رايس والروسي سيرغي لافروف والفرنسي فيليب دوست – بلازي والبريطاني جاك سترو والصيني لي تشاو شينغ. كذلك حضر وزير الخارجية السوري فاروق الشرع والامين العام لوزارة الخارجية والمغتربين السفير بطرس عساكر (الكلمات التي القيت في الجلسة ص 9 و10).

وكان بين التعديلات لمشروع القرار التي اتفق عليها خلال مشاورات اللحظة الاخيرة بين الدول الدائمة العضوية، حذف الفقرة التي تشير الى الارهاب. وكانت هذه الفقرة قد نقلت خلال مشاورات سابقة من منطوق القرار الى ديباجته، واتفق على حذفها امس. كما حذفت من الفقرة الرابعة من منطوق القرار الاشارة الى سوريا والاستعاضة عنها بـ "اي دولة".

ومن اهم التعديلات الاخيرة التي ادخلت على المشروع، حذف الفقرة 13 التي يهدد فيها المجلس باتخاذ اجراءات اضافية اذا لم تمتثل سوريا تماما للقرار وفقا للمادة 41 من الميثاق التي تشير الى فرض عقوبات اقتصادية.

وطلب القرار من سوريا ان "تعتقل المسؤولين او الاشخاص السوريين الذين تعتبر اللجنة انه يشتبه في ضلوعهم في التخطيط لهذا العمل الارهابي او تمويله او تنظيمه او ارتكابه، وأن تجعلهم متاحين للجنة بالكامل". وأكد انه "يجب على سوريا ان تتعاون مع اللجنة بالكامل ودون شروط". وقال انه "يكون للجنة سلطة تقرير مكان وأساليب اجراء المقابلات مع المسؤولين والاشخاص السوريين الذين ترتأي اللجنة ان لهم صلة بالتحقيق". وطلب من سوريا التوقف عن "التدخل في الشؤون الداخلية للبنان". وان "تتقيد بدقة باحترام سيادة هذا البلد وسلامته الاقليمية ووحدته واستقلاله السياسي".

واعتبر ان "ضلوع أي دولة في هذا العمل الارهابي يشكل انتهاكا خطيرا من تلك الدولة لالتزاماتها العمل على منع الارهاب والامتناع عن دعمه وبخاصة وفقا للقرارين 1373 لعام 2001 و1566 لعام 2004 وانه يصل ايضا الى حد كونه انتهاكا خطيراً لالتزامها احترام سيادة لبنان واستقلاله السياسي".

وكانت هذه الفقرة قبل تعديلها تشير الى سوريا بالاسم.

لكن القرار اخذ علماً في فقرة لاحقة باستنتاج "مفاده ان السلطات السورية، بينما تعاونت مع اللجنة من حيث الشكل لا من حيث المضمون، فإن مسؤولين سوريين حاولوا تضليل اللجنة من طريق اعطاء معلومات مغلوطة او غير دقيقة (...) ان استمرار سوريا في عدم التعاون في التحقيق سيشكل انتهاكاً خطيراً لالتزاماتها بموجب القرار ذات الصلة بما فيها القرارات 1373 و1566 و1595".

وفي الفقرة التالية اخذ المجلس علماً ببيان سوريا "في شأن التزامها الآن التعاون مع اللجنة".

وقرر المجلس انشاء لجنة مؤلفة من كل الدول الاعضاء لرصد تنفيذ القرار.

الكلمات

وبعد التصويت على القرار، تحدث وزير الخارجية الفرنسي فأكد ان هذا القرار يوجه ثلاث رسائل، رسالة دعم لشعب لبنان وحكومته وللجنة التحقيق المستقلة وللسلطات اللبنانية، وثانياً مناشدة الحكومة السورية التعاون مع لجنة التحقيق، وثالثاً انه ينبغي ان تفهم سوريا ان المجتمع الدولي لن يقبل بأقل من التعاون الكامل وان الفشل في الوفاء بذلك تترتب عليه نتائج وخيمة.

وتلاه سترو فأوضح ان استخدام الفصل السابع يرمي الى ضمان وفاء لجنة التحقيق بمهمتها والتعاون الكامل من سوريا. وحذر من ان "صبرنا له حدود" وان عدم التعاون سيؤدي الى اتخاذ اجراءات اضافية".

وقالت رايس: "بقرارنا اليوم، نبني ان سوريا قد عزلت نفسها عن المجتمع الدولي من خلال بياناتها الخاطئة ودعمها للارهاب. ويجب على الحكومة السورية الآن ان تتخذ قراراً استراتيجياً بان تغير جوهرياً سلوكها في الشرق الأوسط".

وأكد وزير الخارجية الصيني لي تشاو شينغ ان اغتيال الحريري مؤلم، وان اجتماع مجلس الأمن ينطوي على دلالة ايجابية، لا للبحث عن الحقيقة وتقديم الجناة الى العدالة فحسب، بل أيضاً لمنع تكرار حوادث مشابهة.

وقال لافروف ان القرار راعى الاقتراحات التي تقدمت بها روسيا التي تمكنت من شطب البنود التي رأت ان ليست لها علاقة بالتحقيق في اغتيال الحريري. ولفت الى ان موسكو ايدت منذ البداية لجنة ميليس، وان القرار الصادر تضمن اقتراحات روسيا بحيث لا تكون اللجنة خاضعة لاهواء سياسية.

وقال وزير الخارجية الجزائري محمد البجاوي: "أود ان اقول هنا بصوت عال وواضح ان الاغتيال الجبان يجب الا يمر بغير حساب ايا يكن السبب". لكنه اعرب عن معارضته"للتسرع في التهديد بالعقوبات".

وتحدث الامين العام لوزارة الخارجية والمغتربين السفير بطرس عساكر فكرر "الدعوة الى جميع الاطراف المعنيين للتعاون الصادق والجدي مع لجنة التحقيق الدولية لتأخذ العدالة مجراها الكامل".

واخيرا تحدث الشرع، فأبدى اسفه لتكرار القرار عددا من الفقرات التي وردت في تقرير ميليس من حيث اتهام سوريا بالتورط في الاغتيال وبعدم التعاون مع اللجنة. وعلق على ما ورد في الفقرة123 من تقرير ميليس من ان عملية كهذه ما كانت لتتم من دون علم اجهزة الاستخبارات السورية واللبنانية، بان الامر نفسه ينطبق على هجمات 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة وتفجيرات القطارات في 11 آذار 2004 في اسبانيا وتفجيرات المترو في بريطانيا في 7 تموز 2005، علما ان الاجهزة البريطانية كانت تتوقع حصول هذه التفجيرات واجرت تدريبات مسبقة ومع ذلك حصلت.

بعد الجلسة

ووصفت رايس في مؤتمر صحافي بعد الجلسة القرار 1636 الذي اصدره مجلس الامن، بانه "جيد جدا" لأنه "يرغم سوريا على التعاون" مع لجنة التحقيق الدولية، ويحذرها بلغة قوية من التدخل في الشؤون اللبنانية في حال من الاحوال.

وقالت ان القرار يتيح العودة الى مجلس الامن لاتخاذ اجراءات اخرى اذا اقتضت الضرورة ذلك، او اذا لم تلتزم سوريا موجبات القرار، مشيرة الى ان اقراره بالاجماع يوجه "اشارة بالغة القوة الى سوريا من حيث عزلتها". وتحدثت عن "الخطاب المسهب وغير المعقول" لوزير الخارجية السوري فاروق الشرع الذي يظهر ان السوريين يعتمدون الاطالة في محاولة للتشكيك في صدقية تحقيق ميليس حتى بعد التصويت الذي رحب بوضوح بهذا التحقيق باعتباره تحقيقا مستقلا. "انه خطاب مسهب يربط بصورة غريبة ما حصل لرفيق الحريري بموقف حكومة الولايات المتحدة في 11 ايلول 2001، والموقف البريطاني وقت تفجيرات 7 تموز 2005، والموقف الاسباني وقت تفجيرات 3 آذار 2004. عند نقطة ما، قال السيد الشرع ان هناك نوعا من العرض الغريب. حسنا، كان هذا حقا عرضا غريبا. وعلي ان أشير أخيرا الى ان الدكتور الشرع نفسه موضع اشارة لجنة ميليس لعدم تعاونه، وفي الحقيقة تقديم معلومات مضللة من خلال رسالة وزارته الى اللجنة".

وسئل لافروف في مؤتمر صحافي، اذا كان الموقف الحالي يشبه سعي مجلس الامن الى فرض عقوبات على العراق في التسعينات، فدعا الصحافيين الى عدم المبالغة في "اضفاء لمسة درامية" على الموضوع، لكنه قال: "نريد ان يعقب هذا القرار تحرك محدد" من سوريا.

وقبيل التوصل الى اتفاق على الصيغة النهائية للقرار، نقلت وكالة "أنترفاكس" الروسية المستقلة عن مصدر روسي في الامم المتحدة ان روسيا قد تستخدم حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار يهدد بفرض عقوبات على سوريا .

اتصالات الشرع

وقبل الجلسة، اجرى الشرع محادثات منفصلة مع كل من لافروف ولي تشاو شينغ ووزير الخارجية الدانماركي بيير ستيغ موللر.

وبعد الجلسة التقى وزير الخارجية السوري انان. وقالت الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" ان اللقاء "تناول المداولات الجارية في خصوص تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري"، وأكد الشرع "استعداد سوريا للتعاون بهدف التوصل الى كشف الحقيقة وأهمية الابتعاد عن اي غايات اخرى".

حزب البعث

وفي دمشق، اكد الأمين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم في سوريا سعيد بخيتان ان دمشق تتعاون مع لجنة التحقيق الدولية "انطلاقاً من رغبته في كشف الحقيقة لانها المتضرر الاكبر من جريمة اغتيال الحريري".

وشدد بخيتان في كلمة له أمام الاجتماع الموسع، الذي انعقد في القيادة القطرية للحزب وضم عدداً من أعضاء القيادة القطرية ورؤساء المكاتب التنفيذية للمنظمات الشعبية والنقابات المهنية واعضاءها على ضرورة ان يتم هذا التعاون في اطار احترام القوانين والانظمة والسيادة والمصلحة السورية.

قمة عربية

وكشف ديبلوماسيون عرب في سوريا، ان دمشق دعت الى عقد قمة عربية طارئة لحشد الدعم للموقف السوري.

لكنهم اضافوا ان تخوف سوريا من عدم الحصول على موافقة الدول العربية الـ 22 على عقد القمة، قد يجعلها تستعيض عن ذلك بقمة مصغرة تضمها ومصر والمملكة العربية السعودية ولبنان والجزائر.

وفي القاهرة، قال ديبلوماسيون طلبوا عدم ذكر اسمائهم ان الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ارسل مبعوثاً الى دول الخليج العربية لاعلامها بالطلب السوري. وأعربوا عن اعتقادهم ان القمة ستعقد بعد عيد الفطر.

مصادر
النهار (لبنان)