أثار قرار الرئاسة السورية بتشكيل لجنة تحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، موجة من التساؤلات في الشارع السوري حول أبعاد هذا القرار، وهل سيصل إلى تسليم المشتبه بهم السوريين إلى محكمة دولية؟

وهل ستؤخذ نتائج تحقيقات اللجنة على محمل من الجد من قبل لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس في حال أثبتت براءة أولئك؟ أم أن الأمر برمته محاولة سورية لكسب الوقت وانحناء للعاصفة، لاسيما وأن المسؤولين السوريين أكدوا في تصريحاتهم أن دمشق لن تساوم على سيادتها الوطنية ولن تسلم أحداً من المشتبه بهم دون أدلة دامغة.

وانقسم المواطنون السوريون في الآونة الأخيرة بين مؤيد لتسليم أي مسؤول مشتبه به في اغتيال الحريري تجنباً لإجراءات أميركية أو دولية بحق سوريا، وبين رافض لأي مساومة على سيادة البلاد بما في ذلك تسليم المشتبه بهم قبل الحصول على أدلة دامغة تثبت تورطهم بالجريمة.

ويرى أصحاب وجهة النظر الأولى أن القناعة بالبراءة وحدها لا تكفي لتجاوز الضغوطات، نظراً لأن برنامج التدخل في سوريا ومحاولة إسقاط نظامها أعد سلفاً وقبل تقرير ميليس بزمن طويل، وبالتالي لابد من تطويق الأزمة والانصياع لمطالب مجلس الأمن والتحالف الثلاثي الجديد الأميركي ـ الفرنسي ـ البريطاني والتضحية بالأفراد مقابل سلامة النظام والدولة وتجنيبهما مخاطر الفوضى والزوال.

وتعكس وجهة النظر هذه أن شرائح واسعة من السوريين تعلمت من الدرس العراقي أن الحق وحده لا يكفي في ظل شريعة الغاب التي تحكمها الولايات المتحدة بقوانين خاصة تفصل قرارات الشرعية الدولية على هواها، ولذلك لابد من موقف براغماتي صعب ولكنه مفيد، رغم كل الانتقادات المحتملة لهذا الموقف الذي سيوصف من قبل البعض بالمتخاذل.

أما أصحاب وجهة النظر الأخرى التي تدعو إلى الصمود في وجه الضغوطات وعدم تقديم تنازلات في هذه المرحلة فيستندون في رأيهم إلى أن الموقف السوري ليس ضعيفاً إلى هذا الحد وأنه ثمة مكان للتشدد إذا نظرنا إلى الظرف العام وموقع سوريا الاستراتيجي في لعبة استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها، كما أن تقديم التنازلات المجانية للولايات المتحدة الأميركية قد يعني إقراراً بصحة اتهامات ميليس.

ويمكن ملاحظة أن وجهتي النظر اللتين تقسمان الشارع السوري تمتدان أيضاً إلى النخبة السياسية التي تبدو منقسمة أيضاً حول طريقة التعاطي مع المطالب الأميركية (الدولية) ففي حين يرى بعثيون أن تشكيل لجنة التحقيق السورية في اغتيال الحريري لا يعني الإقرار بتجريم المشتبه بهم في الجريمة وبالتالي الاستعداد لتسليمهم قبل إبراز الحقائق والأدلة الدامغة، يرى قانونيون أن مرسوم تشكيل اللجنة يعني التعاون مع لجنة ميليس إلى أقصى الحدود بما في ذلك اعتقال وتسليم أي مشتبه سوري سواء كان مدنياً أو عسكرياً.

من المؤكد أن لجنة التحقيق السورية، التي ستباشر عملها قريباً، ستخضع للقوانين السيادية السورية، التي تتعارض في بعض نواحيها مع آليات عمل لجنة ميليس، وربما يقود هذا إلى توقيع بروتوكول تفاهم على غرار ما حدث في لبنان لتسهيل عمل اللجنة الدولية.

ولكن ذلك لن يغير من قناعات الكثير من السوريين بأن موضوع اغتيال الحريري ولجنة ميليس وقرارات مجلس الأمن برمتها لعبة دولية تستهدف سوريا بوصفها البلد العربي الوحيد الممانع لمشروع الشرق الأوسط الكبير.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)