الميل شبه التلقائي في النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني لتكرار جملة "لا يوجد من يمكن التحدث اليه"، لا يميز القيادة الاسرائيلية وحدها في هذه الفترة على ما يبدو. جورج بوش يوافق بسهولة كبيرة جداً على ارجاء إقامة الدولة الفلسطينية إلى موعد غير محدد، والفلسطينيون الذين يعرفون أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى انسحاب إسرائيلي كامل إلى خطوط 1967، غير متحمسين لمناقشة ما هو أقل من ذلك.

حتى لا يتحول الانسحاب من غزة إلى بداية خيبة ملطخة بالدماء، يجدر، رغم ذلك، محاولة إعادة بث روح متفائلة، وعدم الاكتفاء بالكلام كالذي قاله شاؤول موفاز نهاية الاسبوع: "أبو مازن مسرحية من رجل واحد، لا يوجد شيء خلفه. يوجد فراغ فقط".
حكومة شارون بقيت على حالها بفضل ذكرى فك الارتباط. لولا ذلك لما حظيت بدعم حزب العمل، ولا برصد دولي مستقر إلى هذا الحد. وإذا كان كل ما لدى الحكومة لتقترحه الان هو الابداع في المجال الأمني، الذي يشمل مخزن الحلول المعروفة للارهاب. مثل التصفيات والحواجز وعمليات القصف والعزل، التي يفوق ضررها جدواها أحياناً، فهذا يعني أنه ليس لها ما يميزها عن أي حكومة أخرى. فوجود تفكير بعيد المدى يقضي باستغلال الحراك الذي نشأ اثر الانسحاب من غزة، لمواصلة القيام بأفعال حتى في ظل غياب من يمكن الحديث معه أو ما يمكن الحديث حوله. ومن المناسب اليوم تقديم موعد تنفيذ الخطوات الأحادية الجانب الأخرى التي سيتم تنفيذها في المستقبل أصلاً.
ربما تكون السلطة الفلسطينية اضعف من ان تقوم بتنفيذ ما تطلبه منها "خارطة الطريق"، لكن إسرائيل قوية بما يكفي للقيام بالخطوات التي ستخدم مصالح الطرفين على طريق التقسيم لقيام دولتين.
لا توجد أي مخاطرة أمنية في إخلاء مواقع استيطانية الآن، ولا في إخلاء مستوطنات معزولة يكون من الواضح أنها ستخلى في اي اتفاق مستقبلي. يتعين على دولة إسرائيل مواصلة التقوقع داخل خط حدود معقول، حتى قبل التوصل إلى اتفاق. فتقصير الخطوط سيسهل على الجيش الاسرائيلي مهامه، وسيمنع توظيفات زائدة في ترسيخ اوضاع مستوطنات لا مستقبل لها، لا يجب ان يتم اخلاء المستوطنات باعتباره هدية بسبب السلوك الفلسطيني الجيد، بل لأن فيه جدوى لدولة اسرائيل. فالخطوات الأحادية التي ستتم لا تتناقض مع اجراء مفاوضات في المستقبل، لكن هذه المفاوضات يمكنها ان تتم حينهاحول نقاط الخلاف فقط وليس على الأمور البديهية.

الفعل الاسرائيلي الايجابي سيساهم في تعزيز الفلسطينيين المعتدلين، لانه سيوضح ان فك الارتباط عن غزة لم يكن النهاية بل البداية. في المقابل، فان اطلاق القذائف إلى داخل قطاع غزة والسياسة الامنية العدوانية، سيبعدون الاستثمارات والتبرعات، وسيمنعون ترميم اقتصاد غزة. حماس، وليس اسرائيل، هي من سيربح من الفقر والاحباط في المناطق الفلسطينية.

ان عزل شمال الضفة، بواسطة حاجز كبير يبنيه الجيش الاسرائيلي عند مفترق تفوح ـ وهي خطوة تمت من دون بحثها في الحكومة أو في المجلس الوزاري المصغر ـ يشير إلى ان المحافل الامنية هي من يقرر مجددا جدول الاعمال، على المدى الفوري وربما الأبعد من ذلك أيضاً، بينما تدفع السياسة إلى الهامش.

لقد أثبت أرييل شارون أنه يمكن توقع منه أكثر من ذلك.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)