كان لبنان معنياً بما كان يجري امس في مجلس الامن بمقدار وطأة الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي، في اتصالات الساعات الاخيرة ثم في قراره رقم 1636، على سوريا لحملها على التعاون الجدي في التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

تحت طائلة تهديد مبطن حمل وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على انتقاده بعنف، ارتدى القرار 1636 قفازاً مخملياً ليوجه اكثر من رسالة الى القيادة السورية.

وهي الخلاصة التي توصلت اليها مصادر ديبلوماسية اوروبية في بيروت مساء في قراءتها لقرار مجلس الامن. وتمثلت في المعطيات الآتية:

- ان اجماع الاعضاء الـ15 في مجلس الامن على القرار، وخصوصا روسيا والصين والجزائر بعدما راهنت دمشق على اضطلاع هذه الدول بدور معارض، يحمل رسالة قوية من المجتمع الدولي الى سوريا، كما من المجتمع العربي ايضاً من خلال ممثلته في مجلس الامن، بضرورة التعاطي الايجابي مع ما نصّ عليه القرار الجديد، وهو تعاون دمشق مع لجنة التحقيق الدولية تفادياً لتعريضها لعزلة خانقة.

- ينبغي الا يكون ثمة اعتقاد لدى سوريا بان القرار 1636 يعكس تراجعاً عن الحملة التي خاضتها واشنطن وباريس ولندن، وخصوصاً في ما يتصل بالاحتكام الى الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية سواء اخذ مجلس الامن بفرض عقوبات على النظام السوري او لجأ الى القوة لارغامها على ما تحجم عن تقديمه.

ولاحظت المصادر الديبلوماسية الاوروبية ان تعويل دمشق على دور لفرنسا يقلل وقع مسودة القرار التي كانت اقترحتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا، كان بعيدا عن الواقع اذ ان القرار كرّس على نحو قاطع الاحتكام الى الفصل السابع في حال امتنعت دمشق عن التعاون الكامل ولكن بمفعول مؤجل.

- يتركز القرار الجديد على التحقيق في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية وكشف الحقيقة دون الخوض في مسائل اساسية او جانبية على نحو ما حاولت ان تبرزه المواقف السورية في الايام المنصرمة، باضفائها عليه سلفاً طابعاً سياسياً يُستشم منه استهداف النظام السوري بعدما كانت وصفت تقرير لجنة التحقيق الدولية الصادر في 20 تشرين الاول بانه "مسيّس". وهو مصدر الحملة التي كانت سوريا قد قادتها لدى دول عربية ولدى روسيا والصين خصوصاً لحملهما على اللجوء الى حق النقض في مجلس الامن وتعطيل اقرار القرار الجديد.

ويبدو ان صيغة القرار- الرسالة تجاوزت فكرة ارضاء روسيا والصين للموافقة عليه الى ما يشكل تحذيراً اخيراً لسوريا للتعاون مع التحقيق الدولي في اغتيال الحريري.

وبحسب المصادر الديبلوماسية نفسها فان القرار لم يشر الا الى هدف واحد هو كشف الفاعلين في جريمة الاغتيال، ويعني ذلك، بالنسبة اليها، ان لا تعديلات طرأت على القرار بغية اضعاف الهدف الذي رمى اليه. وهو على الاقل ما يؤكده القرار نفسه والاجماع الذي حازه بعدم اغلاق الابواب دون الفصل السابع الذي سيكون سيفاً مصلتاً على سوريا من الآن حتى انتهاء مهمة انتداب لجنة التحقيق الدولية في 15 كانون الاول المقبل. ويعني ذلك ايضاً ان على سوريا، في حال احجمت عن التعاون، ان تتوقع الاجراءات التي تخشاها.

وتقارب المصادر الديبلوماسية الاوروبية القرار 1636 على انه فرصة اضافية لسوريا للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية بما يتعدى الموقف الاعلامي الى اتخاذ التدابير الجدية، سواء باظهار صدقية الخطوات القضائية التي اتخذتها قبل ايام وذلك بالتحقيق مع مَن يشتبه في ضلوعهم في اغتيال الحريري وتوقيفهم وتجميد ارصدتهم المالية اقتداء بما حصل مع الضباط الاربعة الكبار في لبنان، او عبر تسهيل كل الشروط التي يطلبها القاضي الالماني ديتليف ميليس للخوض في جولة جديدة من الاستجوابات تبعاً لما يقرره هو، وخارج المعايير التي تعتمدها آلة النظام السوري، وقد شكك ميليس في تقريره الاخير في امكان التعويل على هذه الآلة.

ولكن الأصح أيضاً ان القرار يدعو دمشق الى الاعتراف بمضمون تقرير ميليس وما ورد فيه حيال مسؤولين أمنيين سوريين كبار يشتبه في ضلوعهم في اغتيال الحريري، وهم جزء من القيادة السورية. وهو مغزى "التعاون الكامل" الذي يطلبه مجلس الأمن: تعريضه النظام الذي عرف بانه قوي ومغلق لدخول العواصف الى أرجائه. وسيكون امتحانه الأول التزامه تنفيذ القرار: اعتقال الأسماء السورية المشتبه في ضلوعها.

لكن ذلك يشير ايضاً الى مسألة مهمة تبرزها قراءة المصادر الديبلوماسية الاوروبية في بيروت للقرار 1636 اذ ترى انه ينطوي على "قرينة البراءة" التي تجعل سوريا حتى اشعار اخر، على الاقل استناداً الى مضمون تقرير القاضي الالماني، مشتبهاً فيها وليست متهمة أياً يكن وقع الأسماء التي اوردها ميليس وأهميتها ونفوذها. فما يطالب به المجتمع الدولي القيادة السورية هو التعاون لا الاتهام.

مصادر
النهار (لبنان)