لمن يعتقد أن الخطر على سورية تمليه الشروط التقليدية التي عرفنها في زمن الانتداب، أو الاحتكام إلى الجيوش المنتشرة في الشرق الأوسط، فإننا ندعو الجميع إلى محاولة "الفهم التفاعلي" لمعاني خرق السيادة بشكل لبق وتصرفات بروتوكوليه كما يحدث في إطار المجالس الدولية، أو كما منح مجلس الأمن صلاحية "احتلال" دبلوماسي للجنة التحقيق، وذلك بغض النظر عن السجال السياسي.

وميلس العائد إلى المنطقة لا يذكرنا بالوصاية بل أيضا برياح "التطرف" التي تتواري خلف شرعية هي في النهاية إرادة في اعتبار "السيادة" ميزة لا تتحقق إلى لمن يريدون الخروج القرون الوسطى وفق منطق جاك سترو. فإذا كان أصحاب القانون قادرون على تفنيد ما يحتويه القرار الدولي، فإن الصورة النهائية لا تذكرنا بالعراق، لأن التجربة هناك لن تتكرر وفق منطق الاستراتيجية الأمريكية الساعية لبناء شرق أوسط كبير، وربما تدفعنا إلى مقاربات كثيرة لكنها في النهاية تكتب فوق مشروع "المستقبل" علامات فارقة ... فالمسألة تحقيق في التعبير السياسي السوري سواء وصلنا إلى حقيقة اغتيال الرئيس الحريري، أم بقي الأمر علامة استفهام داخل تاريخ "الاغتيال السياسي".

إشكالية التعامل مع لجنة التحقيق هي في عمقها تمس التكوين الاجتماعي وليس "النظام" السياسي كما يخيل للبعض، فانتهاك السيادة ليس أمرا سياسيا، إنه محاولة لتقديم شرعية لتقديم المرجعيات الدولية على المجتمع وبطريقة مختلفة عما حدث في العراق. ففي زمن الاحتلال هناك حاكم مدني، وفي الزمن اللاحق له هناك "نظام" الرقابة المطلق والخاضع للتقدير الشخصي أو التعامل بمنهج ينسى التعقيد والتراكب والتاريخ المعاصر للعلاقات داخل أي وطن يريد تأكيد الخروج من التراث نحو المستقبل.

وفي زمن الاحتلال ربما نرى حكومة مؤقتة ودستورا مؤقتا وإرهابا مزدوجا يصفي المجتمع قبل "بقايا النظام" على الطريقة "الزرقاوية"، أما بعد الاحتلال فإن المجابهة مليئة بـ"اللباقة" أو "الكياسة" التي تحملنا مع الابتسام للارتهان لعشوائية الشهادات ... أو حتى الرؤية الجنائية عندما يتم سحبها على مجتمع بكامله.

المسألة ليست في التحقيق والتقرير والقرار الدولي والتحليلات التي تحمل سورية مسؤولية ما حدث، بل هي حرب استباقية على طريقة "ما بعد الحداثة" عندما نسعى لاختراق "السيادة" تحت ادعاء البحث عن الحقيقة، بينما تتكسر تحت أقدام "الرؤية" الدولية الإحساس بالانتماء ... ثم يسألون لماذا يكرهوننا؟ ومن أين يأتي التطرف؟!!