هل كان يجب ان يُجمع اعضاء مجلس الامن الخمسة عشر على "اتهام سوريا" بالمسؤولية عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهامها بعرقلة التحقيق الدولي فيه او على الاقل بعدم تعاونها مع اللجنة التي قامت به، والتهمتان وردتا في تقرير هذه اللجنة، كي يدرك وزير الخارجية السوري فاروق الشرع وبكثير من المرارة والالم ان بلاده لم تربح اعداءها على المستوى الدولي ولم تحافظ على اصدقائها على المستوى نفسه، ولم تنجح في اجتذاب حلفاء دوليين مهمين سابقين لها الى موقفها رغم ان اعتراضاتهم داخل مجلس الامن وعلى هامشه ساهمت في تخفيف بسيط للهجة القرار الذي صدر عنه قبل يومين (1636) من دون ان يؤثر ذلك على مضمونه؟

الم يكن في استطاعة رئيس الديبلوماسية السورية الذي عاصر الرئيس الراحل حافظ الاسد المعروف بدهائه وحنكته وحكمته وواقعيته وتمسكه بثوابته وتتلمذ على يديه، ان يرى ان هذا الاجماع بدأ يتكون صيف العام الماضي عندما بالغت سوريا في سيطرتها على لبنان وممثليه وارادت لمرة واحدة ونهائية افهام الجميع في لبنان وخارجه ان القرار فيه لها وحدها وفي كل الموضوعات والقضايا، ففرضت على شعبه في مجلس النواب تمديد ولاية رئيس جمهوريته خلافا لرغبتهم؟

وهل كان الوزير فاروق الشرع صادقا مع نفسه ومع قيادته السياسية العليا عندما صور لها ان مجلس الامن سيعجز عن التوافق على قرار يتعلق بلبنان في حال اصرار سوريا على الامعان في التدخل في شؤونه وابرزها في حينه الاستحقاق الرئاسي، اي كان واثقا من قدرته على منع توافق كهذا؟

وهل يعرف رئيس الديبلوماسية السورية منذ سنوات طويلة انه بسوء تقديره للواقع الدولي في تلك الفترة ادخل بلاده، ومعها لبنان فضلا عن المنطقة، في واقع صعب لم يعد الخروج منه ممكنا من دون اضرار كبيرة ودفع اثمان باهظة؟

وهل يعرف انه تجاهل نصائح اللبنانيين الحلفاء في حينه وبينهم مسؤولون في الوقت نفسه الامر الذي ادى الى ما ادى اليه؟

وهل كان مقتنعا فعلا بما يعرف عن الاتجاهات الدولية السائدة، ام انه شاء مسايرة الجو العام في قيادته وتاليا عدم ركوب المركب الخطر تلافيا "لتسويد وجهه" وربما ما هو اكثر من ذلك؟

لماذا هذه الاسئلة الآن؟ وهل من اجوبة عنها؟

ليس الغرض من طرحها تقديم اجوبة عنها. وليس الغرض ايضا التعريض بوزير خارجية دولة شقيقة، رغم اقتناع قديم عنده بانه استهدف في هذه الزاوية اكثر من مرة. وليس الغرض ثالثا انتقاد استراتيجيا دولته او بالاحرى السياسة التنفيذية لها التي صارت قيادتها العليا مقتنعة ربما بانها لم تكن على مستوى الاحداث والتوقعات والآمال، بل الغرض هو دعوة هذه القيادة العليا الى الاعتراف بالواقع الدولي الجديد الذي ظهر في مجلس الامن قبل يومين، والى التعامل معه انطلاقا من ذلك اذا كانت راغبة فعلا في حل المشكلة القائمة بينها وبينه ، وفي المحافظة في الوقت نفسه على "نفسها" وعلى حقوقها وثوابتها الوطنية والقومية. والغرض هو ايضا دعوتها الى التعامل مع القمة العربية الموسعة او المصغرة التي تردد في اليومين الاخيرين انها ستنعقد بعد عيد الفطر - اذا انعقدت - بشفافية ووعي وواقعية وحكمة لان ذلك وحده ينقذ القمة ويجعلها منتجة وتاليا ينقذ سوريا من المتربصين بها الذين تصيدوا اخطاءها ولا يزالون يتصيدونها، سواء لمصالحهم الخاصة او لمصالح عامة تهم اكثر من دولة عضو في المجتمع الدولي. طبعا لا احد يستطيع التأكيد منذ الآن انعقاد قمة. لكن مجرد الحديث عنها وتسريب اخبار رسمية او شبه رسمية تتعلق بها يشيران الى امرين: الاول، ان سوريا لا تمانع في اي من القمتين او ربما ترحب بها او حتى تدعو اليها لمناقشة الوضع العربي الراهن والوضع الشائك الذي تجد نفسها فيه حاليا وتاليا للبحث في مخارج منه. والثاني ان الدول العربية او بالاحرى الدول الاساسية منها وعددها محدود جداً ، لا تمانع في الامر نفسه او ترحب به او تدعو اليه.

هل تنجح اي من القمتين العربيتين المصغرة او الموسعة وما هي مقاييس نجاحها؟

ليس هناك جواب جازم ومباشر. ولكن يمكن استقراء ملامح اجوبة معينة من خلال عرض انواع القمم من حيث الهدف وليس من حيث عدد المشتركين فيها والغايات المراد تحقيقها منها، وهذه الانواع ثلاثة. الاول، هو القمة المصغرة او الموسعة التي تنعقد بغية تحقيق هدف واحد هو دعم سوريا في مواقفها وسياساتها وممارساتها المشكو منها من المجتمعين الدولي والعربي. وقمة كهذه لا يعتقد احد من الخبراء في الاوضاع العربية بل من متابعيها ان انعقادها ممكن. ذلك ان الدول العربية كلها، او بالاحرى معظمها ، اعترضت ولا تزال تعترض على سياسات سورية عدة ومواقف تتعلق بلبنان وقضايا اخرى عربية واقليمية ودولية. والثاني، هو القمة المصغرة او الموسعة التي يكون هدفها الانضمام الى المجتمع الدولي في ادانة سوريا وفي الضغط عليها لتغيير سياساتها. وهذا النوع من القمم مستبعد انعقاده ايضا لانه ليس في "التقاليد" العربية قمم من هذا النوع، كما انه ليس في "التقاليد" نفسها قمة على النحو المطلوب. اما النوع الثالث من القمم، فهو الذي يحاول المشتركون فيه اقناع سوريا بالتجاوب مع المجتمع الدولي والقرارات التي اصدرها عبر مجلس الامن ووعدها بمساعدتها لقاء ذلك على تحسين علاقاتها الدولية – العربية وعلى مواجهة كل المشكلات التي يمكن ان تتعرض لها نتيجة تجاوبها سواء من الداخل او من الخارج. وهو ايضا النوع الذي يمكن ان يشكل نوعا من الغطاء العربي والاسلامي للتجاوب السوري وخصوصاً بعدما ذهبت دمشق بعيدا في تحدي الارادة الدولية.

كما يمكن استقراء اجوبة عن السؤالين من متابعة الموقف الدولي من انعقاد قمة عربية موسعة او مصغرة. فالتجارب السابقة الكثيرة دلت على ان القمم "الناجحة" هي تلك التي كانت تكريسا لاتفاقات حصلت خارجها بين الكبار من اعضائها وبينهم وبين الكبار في العالم او الاكثر تأثيرا بينهم. فهل حصل تفاهم كهذا ولا سيما بين سوريا والمملكة العربية السعودية ومصر من جهة وتفاهم اخر بين مصر والمملكة واميركا والمجتمع الدولي من جهة اخرى؟ وهل ان الاتصالات ستنشط خلال الايام المقبلة للتوصل الى تفاهم كهذا؟ وهل ستكون سوريا قادرة على تنفيذ التسوية التي يتم التوصل اليها وخصوصا في الموضوع اللبناني؟ وهل يستطيع المجتمع الدولي ان يقبل خفضا لسقف التجاوب المطلوب من سوريا في هذا الموضوع ؟

كلها اسئلة لا اجوبة عنها حتى الآن. وفي انتظار توافر هذه الاجوبة لا يمكن احداً وخصوصا في لبنان ان يشعر بالاطمئنان.

مصادر
النهار (لبنان)