إن كانت دمشق ترجو نهاية آمنة لكابوس «الحريري»، لا فكاك من أن تعترف لنفسها اولا بخطورة حالتها، هي امام مرض عضال قاتل. وكل ما عالجت به نفسها حتى الآن جرعات اسبرين، مثل مصارعاتها الكلامية وتوزيع التهم جزافا. قد تكسب بضعة أيام في معركتها بالاتكاء على التعاطف الشعبي، ويعطيها الاستنجاد بالحكومات العربية شعورا بالراحة، لكن لا مناص من علاج جاد لمواجهة الخطر.

ولا أدري من يشير على الحكومة في محنتها الحالية، لكنه بالتأكيد جاهل او منافق او مغرض، لأن ما يصدر في دمشق أحيانا يثير التساؤل. كيف تظهر وسائل الاعلام السورية بترهات حول قضية الحريري، مثل التي تقول ان سعد الحريري هو من قتل اباه؟ ان احدا في سورية نفسها، دعوا عنكم خارجها، لن يصدق مثل هذه الطروحات ، بل ستزيده شكا في ان احدا في النظام فعلها. كيف يتحدث أيضا وزير الخارجية علنا في كلمته امام مجلس الأمن، يتهم دولتين اساسيتين في قضيته بارتكاب جرائم ارهابية، وهو المطلوب منه ان يهدئ الخواطر ويؤكد على التعاون؟ اصاب الجميع بالدهشة والاستغراب لأنه لم يحدث ان رمى متهم قضاته بالطوب والبيض الفاسد، الا وخسر قضيته. فالشجاعة ليست خصلة مطلوبة في مجلس الأمن، بل الحكمة بالتواصل والإقناع. بمثل هذه الاساليب اتهام ابن الحريري بقتل ابيه، والسخرية من اميركا وبريطانيا، بانهما دبرتا تفجيرات ضد مواطنيهم، لا يزيد موقف سورية الا تعقيدا على تعقيده الحالي.

نعم، هناك إجماع عربي على انقاذ سورية، أكثر من زمن عراق صدام. سببه أن دول المنطقة تظن ان زعزعة الأمن في سورية، قد يقود الى اسقاط النظام، وإسقاطه سيؤدي الى اشاعة مناخ الفوضى في المنطقة. محقة في مخاوفها لأنه لن يكون سهلا اعادة الجني الى قمقمه. وبالتالي لا أحد يريد شرا بالنظام السوري مهما كانت الاختلافات معه.

الشعور الرسمي العربي العام لن يترجم الى عمل جماعي سياسي، لأسباب أبرزها خطورة القضية المتهمة فيها سورية بتدبير قتل شخصية عربية كبيرة، وتولي مجلس الأمن ملف الملاحقة.

والشعور الرسمي، وكذلك التعاطف الشعبي، لن يغيرا عمل المحقق ميليس، ولن يمنعا مجلس الأمن من اتخاذ قراراته، كما لن يفلحا في تغيير موقف واشنطن، ان كانت عازمة على التضييق او تغيير النظام. مع هذا حسنا جربت الحكومة السورية التواصل عندما بعثت وليد المعلم حاملا رسائل الرئيس. لكن خطوة واحدة لا تكفي، ان ارادت تجاوز محنتها. لا مناص من ترتيب الحكومة اوضاعها الداخلية والخارجية. وعندما اطلقت سراح بعض المسجونين السياسيين قبل اسبوع، كانت خطوة حسنة، لكن لماذا ابقت على البقية الكبيرة في السجون؟ ما قيمة السجن السياسي في زمن صارت المعارضة تسمع من كل مكان؟

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)