على عكس ما تعودنا عليه، فقد تحركت الدول العربية بجدية وبقوة باتجاه مساعدة سوريا على الخروج من أزمتها الراهنة. ولم يكتف العرب بالتفرج كما هو الحال في مناسبات عديدة، ولكنهم دخلوا على خط الأزمة مع دمشق وعبر العواصم الاوروبية وواشنطن.

نجاح هذه التحركات الدبلوماسية يتوقف على تصرفات القيادة السورية، فلا أحد يمكن ان يكون سورياً اكثر من السوريين، ولا احد يستطيع ان يساعد احدا لا يتحرك لمساعدة نفسه!!

ما زالت الأزمة في دمشق هي أزمة إرث طويل من ثقافة اللغة الشمولية، واصطلاحات الحرب الباردة التي عفى عليها الزمن، والتحرك بكثير من البطء في عالم متحرك نشط. وكان خطاب فاروق الشرع وزير الخارجية السوري نموذجا على لغة لا تريد ان تدرك حجم التغيرات في العالم، لغة لا تفرق بين الحديث في مظاهرة طلابية في دمشق، وبين الحديث على منصة أكبر وأهم مؤسسة دولية، وهي الأمم المتحدة. بين لغة الاستهلاك المحلي التي تمارس فيها العنتريات التي «ما قتلت ذبابة»، كما يقول نزار قباني، وبين الحديث المسؤول والمنضبط والدقيق والمدرك لحجم المشكلة، وإذا كانت هذه لغة وزير خارجية، فماذا بقي لوزير الدفاع! واذا كانت هذه لغة دولة محاصرة وبحاجة للتعاطف الدولي، فكيف ستكون لغة الدول الكبرى التي تمخر حاملات طائراتها المحيطات!!

وهي أزمة بطء في اتخاذ القرار، وتردد في الحسم، فإطلاق عدد من سجناء الرأي في دمشق هو خطوة هامة، ولكن الاسماء الكبيرة من معتقلي الرأي الآخر ما زالوا في السجون، وأغلبيتهم وطنيون سوريون، لم يحمل أحد منهم سلاحا، ولم يرتكب جريمة، بل ان عددا منهم كانوا مدافعين صلبين عن وطنهم في مناسبات عديدة.

وحرية الصحافة والرأي ما زالت غائبة، وهو أمر يجعل السوريين يهربون لوسائل الاعلام الخارجية، وبعضها موضوعي وعقلاني، وبعضها حاقد كاره لسوريا، والحرس القديم ما زال يسيطر على مواقع اتخاذ القرار، ولقد قلنا وسنكرر بأن أمام الرئيس بشار الأسد فرصة تاريخية لا تعوض، وهي استثمار هذه اللخبطة الضاغطة لإحداث تغييرات في دمشق هي أقرب للثورة والانقلاب، تتم فيها إزاحة العقول القديمة، وتقديم صورة جديدة لسوريا. وهو أمر ممكن الحدوث.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)