تضاعف ضغوط مجلس الامن على سوريا وطأة الحصار الداخلي والخارجي على الرئيس اميل لحود، وقد اضحى جزءاً من الثمن الذي يقتضي ان تدفعه دمشق في مواجهتها مع المجتمع الدولي.

وسواء خرجت نهائياً من لبنان ام هي لا تزال تؤثر في جزء من سياسته الداخلية، فان المشكلة القائمة بين سوريا ومجلس الامن في موضوع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، باتت ترتب نتائج سياسية تتجاوز كشف قتلة الرئيس الراحل الى ازالة كاملة لملامح المرحلة السياسية والامنية التي حكمت سوريا فيها لبنان.

وهذا ما تعنيه تماماً صلة الرحم بين القيادة السورية والرئيس اللبناني. إذ بات اي تغيير كبير محتمل داخل سوريا قد يؤدي في ابسط الاحوال الى سقوط حليفها الرئيس اللبناني، كما ان استقالة محتملة للاخير تحت وطأة ضغوط داخلية مفترضة في المرحلة المقبلة ستكون مؤشراً لتحوّل ما ينتظر دمشق.

ومع ان استقالة رئيس الجمهورية لا تبدو استحقاقاً ملحاً بمقدار الاهمية التي يعلقها المجتمع الدولي على تعاون سوري غير مشروط مع التحقيق في اغتيال الحريري والاستعداد للانتقال من حقبة سورية الى اخرى، فان التلازم الحتمي بين الحدثين يمهد لحجم التطورات التي ستطول لبنان وسوريا معاً.

وفي اي حال فان احداً لا ينظر الى بقاء لحود في منصبه او مغادرته على انه قرار شخصي وارادة مستقلة يملك سرّها صاحب الامر وحده على نحو ما يحاول ان يوحي. ولذلك فان احداً لا يبحث عن الحل الدستوري لفرض الاستقالة على الرئيس، وان احداً لا يرى في المقابل معادلة تلحظ مستقبلاً دوراً سياسياً ما، وإن محدوداً، للرئيس في نطاقها. هي اذاً اقرب ما تكون الى توقيت سياسي ينتظر بيروت ودمشق على السواء.

وعلى وفرة المرات التي اعلن فيها رئيس الجمهورية عزمه على مواجهة خصومه المحليين واصراره على البقاء في منصبه حتى الدقيقة الاخيرة من الولاية، فان بعض اسلافه، المحفورة اسماؤهم عميقة في تاريخ هذا البلد، واجهوا بدورهم ازمات مماثلة اختلط فيها الامني بالسياسي والمعارضة الوطنية بالتدخل الدولي والصراع الاقليمي- الدولي عليه، سواء كانت القاهرة في الواجهة ام دمشق.

فلا الرئيس بشارة الخوري تنحى (1952) لان هذا هو قراره الشخصي وحده، ولا الرئيسان كميل شمعون (1958) وسليمان فرنجيه (1976) تمسكا بولايتيهما حتى الدقيقة الاخيرة لان هذا كان قرارهما الشخصي وحدهما. وتالياً ثمة ما كان يملي ولا يزال على الرئيس البقاء، او الاستقالة ولا يدركه الآخرون.

واكثر من يعي هذا الاختبار الرؤساء السابقون للجمهورية. لذا يميل الرئيس امين الجميل الى مقاربة استقالة رئيس الجمهورية، اياً تكن الدوافع التي اوجبت استمرار الاخير في السلطة بعد انقضاء ولايته الدستورية الاولى، بهدوء وعقلانية. وبالتأكيد لا يبدو الجميل شغوفاً ببقاء لحود في الرئاسة، ولا يملك اسباباً كالتي للرئيس ميشال عون تحدوه بمشقة على ضخ الحياة في جثة الولاية الثانية. ويعرف الجميل ايضاً انه كان قد دُعي مرة الى الاستقالة واخرى الى تقصير ولايته بعد "حرب الجبل" عام 1983 ثم بعد "انتفاضة 6 شباط" عام 1984، ورفض لدوافع تتخطى في واقع الحال قرار شخصياً بالبقاء.

ما ينتظر رئيس الجمهورية اذاً؟

حتى اشعار آخر، فان السجال الداخلي حياله لا يتعدى كونه ممارسة ضغط محلي في انتظار التوقيت السياسي المناسب، ووضعه في دائرة من الشكوك والريبة والشبهة. ومع ان معظم الافرقاء ينادون بتنحيه الا انهم يختلفون على البديل منه. ويرتبط هذا الخلاف بوجود ثلاثة انماط من المواصفات للرئيس الخلف لا قاسم مشتركاً في ما بينها كونها تتوزع على الافرقاء الثلاثة الفاعلين في الوضع الداخلي في الوقت الحاضر، وهم: الغالبية الحاكمة التي يقودها النائب سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، والرئيس ميشال عون، و"حزب الله".

لكل من هؤلاء مرشحه وشروطه للخوض في معركة سياسية تحمل رئيس الجمهورية على الاستقالة. كما ان اياً منهم، وخصوصاً عون و"حزب الله" لا يجد في الرجل حليفاً موثوقاً به وقوياً يقتضي تأييده والتعويل على دوره في مرحلة لاحقة.

وهو امر يدفع الى الاعتقاد ان لحود يصمد في منصبه ايضاً في ظل استمرار هذا الاشتباك من حوله

مصادر
النهار (لبنان)