القدرة على الاحتفاظ بالصمت تملك اليوم ميزة لا تقاوم، لأن الكلام المجاني يستطيع أن يؤرقنا ويضعنا على حافة الهاوية، فإذا كانت المواجهة مختزنة في الطاقة البيانية فإننا سنعود إلى زمن العصور الوسطى، وإلى اللحظة التي اغتلنا فيها الخيال وفضلنا البقاء في الزوايا المظلمة "للحكماء". والقدرة على الصمت تذكرنا بالوجوه الناصعة على الفضائيات وهي تختصر المسائل وتقفز فوق الأزمات محاولة تحوير المواجهة إلى مجالا للنصائح أو حديث لذكريات البلاغة.

والمسألة اليوم ليست شكا في وطنية أحد إنما في قدرة البلاغة والنقد على تجاوز المرحلة، لأن الأزمة كما تبدو تحتاج إلى رؤية تتجاوز الإجراء العام الذي تطلبه الولايات المتحدة من سورية، فالأسابيع الستة فاصلة في تقدير قدرة السوريين، وليس الحكومة، على تحديد مسار المستقبل وسط حقل من المفاجآت المزروعة أمام التفكير الجدي في الغد.

المواجهة السورية اليوم تفترض التعامل مع التشكيل الاجتماعي على أنه مسؤول بالدرجة الأولى، وأنه وحده القادر على المواجهة بعد أن قرر مجلس الأمن خرق السيادة الوطنية بشكل سافر، فهذا التشكيل هو القادر على صيانة هذه السيادة. والتشكيل الاجتماعي ليس فضاء مطلقا فهو ليس النخب القادرة على إصدار البيانات أو التحدث والتشاور مع المسؤولين الأمريكيين، بل هو محدد بالمصلحة والإرادة لمجموع السوريين الذي يشكلون بنية المواجهة مع "الثقافة" الخاصة بخرق السيادة.

ربما تكون المشكلة الأساسية في قرار مجلس الأمن الأخير أنه يحاول التسلح بثقافة "التخويف" كمدخل لخرق سيادة الوطن، هذه الثقافة المبنية على نبش التاريخ قبل البحث عن مخرج للأزمة، وبعمليات "التكفير" والحديث عن "الخطايا" وكأن الوطن يتلخص بمجموعة من الأحداث بينما يعيش المجتمع على الهامش.

الوطن اليوم لن يستطيع المواجهة بالبيانات بل بتحديد مجال للعمل تقوم بها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وربما نجد أنفسنا أمام مسار يدفعنا إلى قراءة المجتمع من جديد، هذا المجتمع الذي يبدو غائبا من حساباتنا، بينما هو الذي يقلق ويخاف ويواجه وهو في النهاية صورة الوطن بغض النظر عن أي هيكل سياسي يؤطر أفراده. والوطن اليوم يحتاج إلى "الجموع البشرية" التي ننظر إليها وكأنها "توابع" قادرة على الذهاب معنا بينما تشغلها الاستحقاقات القادمة وانتظار ما يمكن أن تقوم به من أجل المستقبل الذي تزيده القرارات الدولية غموضا.

الوطن فوق الجميع، والوطن صورة أبناءه وليس نشيدا أو بيانا أو إجراء سياسي، والمجتمع السوري ربما يبحث مستقبلا عن مسؤولية الأفراد، وهو أمر ضروري، لكنه اليوم يحتاج لرؤية تبعث به الأمل وتضعه ضمن استحقاق الغد.