تنفس السوريون، مقيمين ومغتربين، الصعداء بعد قرار مجلس الامن المخفف من أية عقوبات فورية الان على سوريا، فمهلة شهرين قد تحمل في احشائها بعض الفرص، ربما، لحماية بلادهم من مصير لا يتمنونه لها.

والسوريون، المحاصرون بنيران العراق وأزمة لبنان واختناق اقتصادي سببه في الاساس سياسي، لا يريدون نارا جديدة من مثل عقوبات اقتصادية دولية، او حرب جائرة. فهم في النهاية ينظرون الى انفسهم كرهائن تطبق عليهم العقوبات على الوجهين، داخليا وخارجيا، في وضع لا دخل لهم به، مثلما حصل في العراق حيث عوقب العراقيون ككل بجريرة صدام حسين وعائلته ومساعدوه، تحت مسمى الحصار الاقتصادي مرة، ثم بالحرب وكل ما تمخض عنها من فوضى وعنف.
استوعب السوريون الغواية المجاورة ونتائجها، ولا يحلمون باستنساخ التجربة، لكنهم يعرفون في الوقت نفسه ان هناك أمورا ماعاد يمكن السكوت عنها طويلا، وان الاوضاع لن تعود الى ما كانت عليه في السابق، أقصد الاوضاع الامنية والحريات العامة في البلاد.

انه وقت التغيير اذن، ووقت المحاسبة، ولن يجد النظام في سورية وقتا افضل لهذا التغيير منه الان، حيث يحتاج التفاف الشعب حوله حقيقة، وليس تمثيلا او مراوغة. لكن هل سيجد الكثير من هذا الشعب حوله فعلا؟

في مسرحية (ناطورة المفاتيح) للعظام الرحابنة والفنانة فيروز، يكتئب الملك عندما يهاجر اهل البلاد هربا من ظلم رجاله وقسوتهم التي لا تحتمل. وتبقى زاد الخير حارسة للبيوت ومفاتيحها، وعندما تصطدم مع الملك وتهم هي أيضا بالرحيل، يترجاها ان لا تفعل فهي الرمز الوحيد الذي تبقى من الشعب، وبدون شعب هو ليس بملك. وينتهي التحدي بأن ينزل الملك الى زاد الخير (الشعب) بعد ان رفضت هي ان تصعد اليه طالبة منه ان "وبتقول لحرسك يتركنا"، لتسود شروطها هي لا شروطه.

كل الانظمة بحاجة الى زاد الخير، الى شعب يبرر شرعيتها ووجودها، فمهما استقوى بأسلحة داخلية او خارجية، بنظام أمني خانق وعسكر، لن يحميه سوى الشعب الذي يتفق واياه على الاهداف والتطلعات ويكون اختاره في الاساس بطرق ديمقراطية. أما الشعب المحقون، المسجون، المشرد و"المهجول" في انحاء الارض، فلن يكون السند الكافي لنظامه وقت الازمات.

ان تعليق (اعلان دمشق) على مجلس الامن يحمل توجها شعبيا يشبه النداء الاخير لما قبل الاقلاع: التعاون مع فريق ميليس فذلك سيجنب البلاد خطر الانزلاق إلى مواجهة مع المجتمع الدولي.

لعل وعسى الا تفوت الطائرة من تأخر في الحضور بالوقت المناسب.

مصادر
ايلاف