بعد صدور تقرير ميلس وتفنيده بنداً بنداً من قبل وزارة الخارجية أولاً, ومن ثم سفير سوريا الدائم في الأمم المتحدة, والذي لم يدع حجراً على حجر في التقرير إلا وقلبه وفحص ما تحته وما فوقه, ونقل قراءة سوريا للتقرير إلى المجتمع الدولي, مؤكداً أن سوريا لا تعتبر التقرير مسيساً, وهي مستعدة للتعاون مع اللجنة الدولية لإكمال التحقيق. وفيما كانت الدبلوماسية السورية تنشط باتجاه العواصم العربية والعالمية, ونائب وزير الخارجية يزور عواصم عربية, إثر انتهاء مرحلة قراءة التقرير وبدء معركة مشروع القرار الأميركي­ الفرنسي ­ البريطاني, طلع علينا مجلس الشعب السوري من التلفزيون الوطني لمناقشة تقرير ميليس وإصدار بيان يعبر فيه عن موقفه, جرى فيه تكرار ممجوج لما جاء في تفنيد الخارجية مع فارق النتيجة, إذ خلص مجلس الشعب إلى أن التقرير مسيس أولاً وأخيراً!! وقد يقول قائل هذا رأي الشعب, لولا أن أحد النواب حذر من الدعوات التي تفصل الشعب عن النظام, وأكد أن «النظام هو الشعب والشعب هو النظام». إذاً كيف يكون للدبلوماسية المعبرة عن النظام رأي وللشعب رأي آخر؟!

ليت مجلس الشعب اكتفى بالبيان, وما أطل وجهاؤه المفوهون علينا عبر الشاشة الصغيرة, وفوت علينا ما نطق به ممثلوه من خطب ركيكة على أنها لسان حال الشعب. ليت الجلسات لم تنقل وبقي الطابق مستوراً, فالله أمر بالستر, والمقام لم يعد يسمح بكشف المزيد من فضائح لغو الكلام, فمن نائب يجهد لإقناع لا نعرف من؟! ترى الشعب أم زملاؤه أم القيادة بأن لا مصلحة لسوريا في اغتيال الرئيس الحريري, وأن التقرير لا يخدم غير إسرائيل وأميركا, إلى نائبة واثقة منتهى الثقة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته, ونائب يصف التقرير بالجبل الذي ولد فأراً؟! قلة من النواب تحدثوا عن تداعيات التقرير, وأقل من القلة تحدثوا عن ضرورة بذل نشاط نيابي باتجاه الشارع لطمأنته. لتبقى السمة الغالبة على النقاش رد الفعل البطيء جداً على حدث حامي الوطيس جداً, فأسهبوا بإثبات المثبت وتفنيد المفند, مكتفين بالإشارة إلى المؤامرة الخطيرة التي تتربص ببلدنا, وإلى التقصير العربي, والتطويل الدولي, ولم يقولوا للشعب الذي يتابعهم كيف ستتعامل سوريا مع أمر واقع, وما هو في سبيله إلى الوقوع, أو حتى بوضع الشعب في صورة ما يجري. كذلك لم نعرف مبرر غياب وزير الخارجية, أو أي مسؤول دبلوماسي عن الجلسات ليتولى الإجابة عن تساؤلات الناس المفترض أن السادة النواب تكبدوا عناء حملها إلى الحكومة, فنعرف إلى أين نسير, وكيفية درء خطر الآتي إلينا عبر قرارات مجلس الأمن, وما الاستعدادات للمرحلة الأصعب؟

طبعاً لا نتحدث عن مساءلة المسؤولين عن وصولنا إلى هنا, لأننا مقتنعون بأن المخطط أعد سلفاً لمحاصرة سوريا, وإنما السؤال والسؤال فقط: ماذا فعل أو سيفعل ممثلو الشعب على صعيد الداخل لإحباط هذا المخطط اللئيم؟

الالتفاف حول موقف القيادة, كما سمعناه ورأيناه كان التفافاً صوتياً مدعوماً بخطب ببغائية, تُبعث حية مع كل أزمة, لتعطي لنكباتنا رنيناً وطنيناً يليق بتخلف وفساد مزمنين. ويبقى الشعب حائراً, والإعلاميون كالمنجمين يقرأون حركات الشفاه عسى نعرف إلى أين نحن ماضون نحو تسويات أم تنازلات أم مواجهة؟ ففي مداخلات مجلس الشعب, أشارت الحماسة الظاهرة في الخطابات إلى أننا سائرون نحو المواجهة, وهناك من هدد بالويل الويل لسياسة الكيل بمكيالين. في حين تدل إشارات ما بين السطور إلى سعي مضن نحو التسويات. أما ما تحت السطور فإن الواقع لا يدع مجالاً للاختيار. وهكذا يبقى الغموض جواباً أكيداً لسؤال: «ترى بماذا يفكرون؟» كان جوابه بعد صدور بيان مجلس الشعب: «إن أمامنا معركة خطيرة وطويلة الأمد يجب أن نخوضها بكل اقتدار وعقلانية». لا شك في أن المعركة خطيرة, لكن هل هي حقاً طويلة الأمد؟ وأي أمد طويل في أن لا تستهلك أكثر من عشرة أيام منذ بدء معركة تقرير ميليس إلى مشروع العقوبات والتصويت عليه ومنح سوريا مهلة أخيرة لإثبات تعاونها الكامل مع لجنة التحقيق الدولية؟ ترى هل ما زال لدى نوابنا الأعزاء مزيد من الوقت لتنفيذ اقتراحهم بتشكيل لجان متخصصة تقوم بجولات عربية وخارجية لـ«شرح ملابسات القضية كلها وتنوير الرأي العام بحقائق يحاول أعداؤنا طمسها»؟ كم يوم سوف يستهلك مجلسنا لاختيار أعضاء اللجان وميزانية السفر والإقامة والدول التي سيزرونها؟ هذا في حال تم النظر للأمور على أنها عمل من اجل الوطن لا نزهة سياحية أو ترفيهية في الزمن الضائع لا يفوز بها إلا الأولى بالمعروف. ثم أي إنارة للرأي العام العربي والدولي بحملات علاقات عامة في اللحظات الأخيرة؟ أين كان نوابنا وإعلامنا الرسمي المرسوم بالورقة والقلم خلال السنوات الماضية, لا بل من ثلاث سنوات فقط, منذ انكشف المشروع الأميركي وصار اللعب الدولي على المكشوف؟ هل فكروا يوماً بالإعلاميين السوريين المشردين والمغتربين في كل أنحاء العالم, ماذا قدموا لهم وكيف يتم التعاون معهم لخدمة قضايا بلدهم, أو ما كان يسمى بلدهم. وليسأل نوابنا الأعزاء الصحفيين السوريين في الدول العربية, كيف تتعامل سفاراتنا معهم, وكم حفل استقبال أقيم للتعرف اليهم وإلى مشاكلهم, وفيهم محررون أكفاء يتبوءون مواقع مهمة في وسائل الإعلام, ولا نقول لكم اسألوا عن الإعلاميين الأجانب من أصل سوري, أو الناشطين من أصدقاء العرب. الآن, حين لا ينفع العليق وقت الغارة, يفكر مجلس الشعب بالاتصال مع المنظمات الدولية, ولم يفكر فيها حين جرى منع مزاولة أي نشاط مدني يمد صلاته نحو تلك المنظمات تحت بند التخوين والاتصال بالخارج, ولم يعمل على قوننة ذلك النشاط بما من شأنه منح صدقية لجدية سوريا في التغيير والإصلاح, وإنما وقف متفرجاً, وها هو باكياً وشاكياً من أن العالم لا يريد سماعنا!!

وللحق أخيراً نقول, إذا جرى وأسمعنا بعض الدول صوت سوريا في جولة مجلس الأمن الأخيرة, فبفضل بعض الدبلوماسيين ليس إلا. لكن؛ هل بوسع العالم أن يتضامن مع قضايانا إذا بقي الحال على ما هو عليه؟ خصوصاً أن رئيس مجلس الشعب عبّر عن سعادته فعلاً بمداخلات النواب التي مثلت بالنسبة إليه قلب الشعب وعقله؟

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)