تقرير ميليس سياسي ويعتمد على شهادة شهود متحيزين، لا يقدم دليلاً ملموساً على تورط سوريا
إن البدء بالتوجه نحو تبرير استخدام القوة أو غيرها من الأفعال الجدية ضد سوريا لاحتمال تورطها في جريمة اغتيال الحريري يعيد إلى ذاكرتنا الأحداث التي تعاقبت عام 2003 وأدت إلى غزو الولايات المتحدة للعراق.

وها هي الأمم المتحدة تستخدم للمرة الثانية كوسيلة لتصعيد التوترات، وذلك من خلال إصدارها لقرار تمت الموافقة عليه بالإجماع يتضمن مطالبة سوريا بالتعاون مع محقق الأمم المتحدة ديتليف ميليس عن طريق اعتقال أولئك المشتبه بتورطهم بمقتل الحريري وأن تتم عمليات الاستجواب خارج سوريا.

إذا كانت التجربة العراقية هي المرشد، فإن هذه المطالب سوف تتضاعف بغض النظر عن مستوى التعاون الذي ستقدمه سوريا، مع حرية لجوء الولايات المتحدة لخيار شن الحرب. سواء حدثت الحرب أم لم تحدث، سوف يكثف القرار اتهام الأمم المتحدة بازدواجية المعايير وزيادة استقطاب العلاقات الإسلامية الغربية.

إن الحجج المقدمة بهذا الشأن في هذه المرة تبدو زائفة أكثر من الادعاءات التي زعمت حيازة العراق على أسلحة تدمير شامل. إن المعلومات المغرقة في التخمين التي تضمنها تقرير ميليس السياسي والتي تعتمد على شهادة شهود متحيزين، لا يقدم دليلاً ملموساً على تورط سوريا في مقتل الحريري وهو على كل حال يزعم فقط بأن تورطاً كهذا هو أمر محتمل.

إن صدور القرار يقدم أيضاً دليلاً أكبر على أن مجلس الأمن هو وسيلة بيد السلطة الغربية تستخدم بشكل رئيسي لتخويف أو معاقبة العرب. إن المنطقة لم تنسى كيف إسرائيل قتلت مئات اللبنانيين في قانا عام 1996، و مئات الفلسطينيين في نابلس، جنين وغيرها عام 2003، ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضد إسرائيل من قبل مجلس الأمن.

من خلال مضاعفة الضغوطات على سوريا وعلى المجلس من أجل التصويت، قام جورج دبليو بوش بمضاعفة العصي وذلك من خلال التأكيد على أن استخدام الولايات المتحدة للقوة ضد سوريا كان مجرد خيار في حال لم تتعاون سوريا مع تحقيقات ميليس. كان اغتيال الحريري عملاً وحشياً وشنيعاً، ولكن فكرة قدرة الولايات المتحدة على الاعتداء على سوريا حتى لو كان المسؤولون فيها متورطين باغتيال الحريري هي فكرة تتحدى جميع المواثيق الدولية المتعلقة بالاستخدام الشرعي للقوة.

ومع ذلك، فقد شهد تهديد بوش الموجه ضد سوريا، والتهديد المشابه ضد إيران في حال رفضت التوقف عن تخصيب اليورانيوم، شهد توترات بين العرب والمسلمين وسط مخاوف من وجود عدوان غربي جديد في المستقبل القريب. على السطح ، تبدو المخاوف من احتمال بدء الولايات المتحدة بأعمال عدوانية جديدة في المنطقة مخاوفاً غير معقولة أبداً في وقت يغوص فيه الأمريكيون بكل يأس في احتلال العراق.

ولكن هناك الكثير من واضعي الاستراتيجيات في أمريكا ممن يعتقدون بأنه يمكن الحفاظ على العراق فقط من خلال إسقاط الأنظمة في سوريا وإيران وأن تغيير الأنظمة في هذين البلدين في كافة الأحوال، وأياً يكن انعدام الاستقرار الناجم عن ذلك، هو شرط لازم للوصول إلى أهداف الولايات المتحدة الإستراتيجية في المنطقة، والتي تتضمن السيطرة التامة على النفط العربي في عالم يزداد تعطشه للطاقة وإجراء تنظيم سياسي( نشر الديمقراطية) للمنطقة لجعلها أكثر طواعية لمصالح الولايات المتحدة. إذاً من الواضح أن هذا التحارب ليس له علاقة باغتيال الحريري، إنما هو معمول من أجل تهديد سوريا وغيرها للعمل وفقاً لسياسة الولايات المتحدة.

إن الحرب على الإرهاب تزداد عدوانية كما إن إرهاب المتطرفين الإسلاميين يزداد وحشية ويشكل تهديداً خطيراً ولا يمكن القضاء عليه إلا إذا قامت واشنطن بدعم الاعتدال الإسلامي والالتزام بسياسة تغيير صلبة يقبل بها أغلبية المسلمين في العالم، الذين يتوقون إلى إنهاء النزاع العميق بينهم وبين الغرب.

بوجود جبهة موحدة اليوم، ليس هناك حليف أوربي رئيسي واحد ينصح الولايات المتحدة بالاعتدال في تسليط نفوذها في الشرق الأوسط. وحتى الآن تبدو النتيجة الحتمية هي المزيد من الاستقطاب للمسلمين في العالم والاستمرار في تهميش الإصلاحيين فيها. هناك عالم أقسى وعدم استقرار أكبر ينتظرنا، وهو أمر يبعث السرور في قلب مرتكبي أحداث الحادي عشر من أيلول.

مصادر
انترناشيونال هيرالد تريبيون (الولايات المتحدة)