استناداً الى الاداء الديبلوماسي والسياسي السوري خلال العامين الاخيرين والى ادراك لماهية الآلية السياسية التي تحكم القرار في دمشق، يخشى ديبلوماسيون وسياسيون كثر الا يتوقف المجتمع الدولي عند حدود القرار 1636 وان يصدر قرارا جديدا مشتقا عن الاول تماما كما حصل بالنسبة الى القرار الذي قاد اليه التمديد اي 1559 ثم صدور القرار 1595 اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

في خضم المحاولات السورية الديبلوماسية للتخفيف من صيغة القرار 1636 الذي صدر قبل اسبوع، توقف مراقبون ديبلوماسيون عند جملة نقاط في الاداء السوري تعمق الخشية التي يبديها هؤلاء حيال المرحلة المقبلة. فدمشق حركت ديبلوماسيتها في اتجاهين عربي ودولي. وتولى نائب وزير الخارجية وليد المعلم التوجه الى الدول العربية ناقلا رسائل عن الرئيس السوري بشار الاسد تحذر وفق ما صرح المعلم من خطورة المس باستقرار سوريا لما يمكن ان يؤثر ذلك سلبا على الوضع في المنطقة. ولم ينس المعلم اضافة اللازمة في الموقف السوري من أن القرار 1636 كان قيد التحضير قبل شهر بين فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا مستعيداً موقفاً سورياً مماثلاً قبل عام من ان القرار 1559 كان قيد التحضير قبل وقت طويل ولم يأت نتيجة للتمديد بل كان سيصدر سواء حصل التمديد او لم يحصل، وتاليا فان سوريا لم ترتكب بالتمديد للرئيس اميل لحود حتى خطأ تقديم ذريعة لصدور القرار المذكور.

الا ان الاهم من التصريحات التي ادلى بها المعلم في دول الخليج ان الرئيس السوري اوفده رغم ان اسمه ورد في تقرير القاضي الالماني ديتليف ميليس بانه صاحب الرسالة القوية التي نقلها الى الرئيس رفيق الحريري عن الموقف السوري منه. وهو الامر الذي انسحب على وزير الخارجية فاروق الشرع الذي اوفده الاسد للمشاركة في اجتماع مجلس الامن على مستوى وزراء الخارجية للنظر في تقرير لجنة التحقيق في اغتيال الحريري. اذ لم يخل موقفه وموقعه من احراج كبير على المستوى الشخصي بعدما ورد اسمه في تقرير ميليس على انه قدم شهادة مضللة الى لجنة التحقيق فيما مناقشات مجلس الامن، بل القرار 1636 نفسه تبنى المقطع في تقرير لجنة التحقيق الذي تحدث عن "مسؤولين سوريين عدة حاولوا تضليل التحقيق باعطاء بيانات مغلوطة او غير دقيقة".

يقول سياسيون لبنانيون على صلة بالقيادة السورية ان الرئيس السوري افتقد ولا يزال يفتقد منذ وصوله الى السلطة الادوات او الكفايات او الاشخاص الذين يسمحون له بالتغيير الذي رغب فيه. لكن هذا السبب لم يعد مقنعا بالنسبة الى الديبلوماسيين الذين يتابعون عن كثب الملف السوري. وثمة من يقول ان الاسد اثار مزيدا من الاستياء الخارجي عليه بايفاده الشرع للدفاع عن "نفسه" وعن سوريا في آن واحد. اذ كشف بادائه الجدلي مع وزير خارجية بريطانيا جاك سترو سعيا الى اجراء توازن بين موقف يقوي الدعم السوري الداخلي للموقف السوري الرسمي وآخر يطمح الى تخفيف الغضب الدولي عن القيادة السورية مع الارجحية للاحتمال الاول. وهذه المرة لم تتدخل فرنسا مع الشرع كما يروي البعض لمنعه من اجراء مقاربات يمكن ان تضع بلاده في موقف صعب كما في نيسان 2003 حين كان وزير الخارجية السوري على وشك المقارنة بين سياسة الرئيس الاميركي جورج بوش وسياسة المانيا في الحرب العالمية الثانية وامسك في اللحظة الاخيرة عن اجراء هذه المقارنة بعد نصيحة فرنسية. وقد اجرى الشرع هذه المرة مقارنة بين الخلاصات التي اوردها ميليس في قضية اغتيال الحريري و"هجمات 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة وتفجير القطارات في 11 آذار 2004 في اسبانيا وتفجيرات المترو في بريطانيا في 7 تموز 2005" مما استنفر وزراء خارجية آخرين ضده وضد هذا المنطق.

لعدم التعويل الدولي على اداء مختلف لسوريا ولو انها اعلنت استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، اسباب تفصيلية يعتبر المراقبون الديبلوماسيون انها تعكس بدقة استمرار سوريا في التصرف في اطار رد فعل وليس في اطار استراتيجية مبادرة حتى لو صح المنطق الذي تقول به عن استهدافها لاسباب عدة ليس بينها السعي الى الحقيقة في قضية اغتيال الحريري. الا ان صحة ذلك لا تنفي في المقابل ان الولايات المتحدة نفسها التي تريد من سوريا جملة مطالب تختصر بعنوان كبير هو العراق في الاساس، لا تستطيع ان شاءت وخصوصا بعد صدور القرار 1636 التأثير على هدف ايجاد الحقيقة في اغتيال الحريري والذي بات امرا مهما لن ينسفه السعي الى اي صفقة يراد اجراؤها في مسألة العراق. وواشنطن لم تعد تستطيع القفز فوق هذا القرار الاخير حتى لو حصلت على ما تريده من سوريا في العراق.

حين استمع ديبلوماسيون الى الحديث الذي ادلى به الرئيس السوري الى محطة الـ"سي. ان. ان."، اكتفى احدهم بالنهوض والبحث في بعض الاوراق ليتناول بعد دقائق نص حديث كان اجراه الاسد قبل ثلاثة اشهر وتحديدا في بداية تموز من هذه السنة مع صحيفة "النيويورك تايمس"، ثم تلا على مسامع الحضور بعض العبارات من الحديث والتي كررها الاسد لمحطة "سي. ان. ان." بالصيغ السابقة نفسها من دون اي تغيير في شأن مواقف حساسة تعاني منها بلاده. وهذا امر ممكن في حال الكلام على ثوابت معينة، لكن المتغيرات الكثيرة في محيط سوريا كما في موقف المجتمع الدولي منها خلال الاشهر الاخيرة خصوصا تحتم الاخذ بها وتطوير المواقف على اساسها وهو ما يلحظه الديبلوماسي المعني في حديث الاسد.

لم توضع سوريا عبر القرار 1636 فقط تحت المجهر، بل باتت كذلك منذ ما يزيد على سنة ونصف سنة، وهي لم تصدق ذلك حين صدر القرار 1559 ودخل لبنان ومعه سوريا الى مجلس الامن من بابه العريض واضحيا من "الاولويات المفضلة" لدى المجتمع الدولي. لكل ذلك يخشى كثر من اداء سوري يقود الى قرارات جديدة تصعيدية ضدها فضلا عن اعتبارات اخرى تكمن في ان الخيار المتاح هو بين السيئ والأسوأ يمثلهما التجاوب مع لجنة التحقيق ونتائجه وعدم التجاوب معها، علما ان كثرا يعتقدون ان النتيجة ستكون واحدة في الحالين.

مصادر
النهار (لبنان)