لا تذكرنا المسألة السورية بالوضع العراقي قبل الاحتلال رغم استخدام نفس التكنيك، لأن تجربة الاحتلال حسمت داخل الاستراتيجية الأمريكية قضية أساسية مرتبطة بقدرة التحكم في حال انفجار الأزمة. فالإدارة الأمريكية كانت تريد الفوضى بشكل يسمح لها إنشاء التشكيل السياسي وفق اعتبار سكاني أو طائفي أو عشائري. وهذه الفوضى المستمرة خلقت مسائل جديدة بعد أن تم إلغاء فكرة الدولة على السياق التقليدي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وتتعرض له سورية يملك مقاربة واحدة مع العراق هي تصفية الشرق الأوسط كما عرفه العالم مع ظهور الحرب الباردة، فرغم أن الخارطة الإقليمية رُسمت خارج إرادة المنطقة لكنها لم تكن توحي بالتفاؤل على الأقل للولايات المتحدة التي وجدت نفسها منذ نهاية القرن الماضي جزء من الصراع، وربما أكثر من "شريك" كما أرادت في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام.

الصورة السورية تحتاج بالفعل لإمكانيات كبيرة حتى تتم عملية تجاوز الأزمة الحالية، لأنها تتعدى في حدودها الكثير من القضايا التي تم طرحها خلال السنوات الماضية، ويأتي الحديث عن التعامل الجديد مع المنطقة في إطار الثقافة التي ظهرت بشكل تدريجي على مساحات من النخب داخل المجتمع السوري. وربما من المؤسف أن السنوات الخمس الماضية لم تخلق تيارات اجتماعية بل طورت من حجم النخب والخلط ما بين التعامل السياسي المعاصر والبرامج الجاهزة أو الصالحة لمراحل الثمانينات.

وبالطبع فإن من يتحدث عن فرص ضائعة من الدولة السورية، فعليه أيضا الحديث عن نفس الفرص بالنسبة للقوى السياسية السورية التي استمرت على مدى السنوات الماضية في توسيع دائرة "النشطاء" بدلا من تعميق تياراها الاجتماعي. هذه الفرص الضائعة ربما تكون ثمنا للتجربة التي نعيشها اليوم، لأن المجتمع بكامله مدعو للعمل، في وقت تظهر فيه الحالة العامة وكأنها انعكاس لواقع افتراقي استطاع تكوين سلسلة من البيانات والتنظيرات بينما لم يستطيع تكريس فعل اجتماعي، والتبريرات الجاهزة لما حدث لم تعد كافية لما يحدث اليوم.

الصورة اليوم قاتمة بقدر ما نمنحها العجز، لكنها في نفس الوقت تحمل مساحات من التحرك لإنجاز أي حالة إبداعية ومهما كان مصدرها ما دامت تؤمن بالوطن المنفتح بامتياز وليس المنغلق على تكوينات تنتمي لعصور "الفوضى التراثية".

مصادر
سورية الغد (دمشق)