رغم المواقف المعلنة للنظام السوري حول الرغبة في التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الارهابية، يبقى الخوف، كل الخوف في ان تكون القراءة الفعلية بعيدا من "التقية" المعهودة مغلوطة، فيذهب النظام المذكور نحو مزيد من المغامرات الخطرة المشابهة للتمديد بالقوة لاميل لحود من جهة، ولاغتيال رفيق الحريري من جهة اخرى. والحال ان من يقرأ حديثا ادلى به مساعد وزير الخارجية الاميركي الاسبق مارتن انديك لموقع مجلس العلاقات الخارجية الاميركي الالكتروني، يروي فيه وقائع من لقاء جمعه بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع في تشرين الثاني 2004 اي بعد التمديد والقرار 1559، يصاب بالذهول لقول الشرع لانديك ما معناه: "يتعين عليكم ايها الاميركيون، ان تسعدوا لاننا تركنا القرار 1559 يمر فجنبناكم هزيمة معنوية في الامم المتحدة كان يمكن ان تصيب مكانة الولايات المتحدة الدولية".

هكذا ، وبكل بساطة منن الشرع انديك بفضل سوريا على اميركا! وكان الضيف الاميركي يزور دمشق بتدبير من احد "ندماء" الرئيس بشار الاسد الدائمين وهو وزير اعلام لبناني سابق، من اجل البحث في امكان تشكيل لوبي سوري في واشنطن يشرف عليه انديك بصفته رئيس "مركز صابان لدراسات الشرق الاوسط" التابع لـ"معهد بروكينغز"، وهو مركز دراسات فاعل ومؤثر في العاصمة الاميركية. وفي النهاية يبدو انه لم يحصل اتفاق مع انديك عبر وسطاء لبنانيين كانوا على صلة باحد قادة الاجهزة المعتقلين في جريمة اغتيال الحريري.

كلام الشرع لانديك يشبه الى حد بعيد وصفه القرار 1559 بانه "تافه" ليرد عليه النائب وليد جنبلاط قائلا "لا بل التمديد هو التافه". من هنا مصدر خوفنا ان تأتي قراءة النظام السوري للواقع الصعب لا بل المخيف الذي يحوطه على نسق القراءات التي تميز بها الوزير الشرع، وآخرها الاداء – المصيبة في جلسة مجلس الامن الاخيرة. وفي يقيننا ان الشرع انما كان ولا يزال يعكس في شكل او في آخر ما يفكر به اركان النظام الآخرين. والسؤال كيف يفكر هؤلاء؟ وما هو السر وراء امتهان ارتكاب هذا الكم من الاخطاء المميتة؟ انه حقا لامر مذهل!

وبالعودة الى قراءة النظام حول القرار 1636، نقول ان من واجبات الاسرة العربية ان توصل الرسائل المناسبة والتي تعكس حقيقة الورطة التي وقع فيها النظام السوري لئلا ينساق الرئيس بشار الاسد خلف اوهام مؤداها كارثة وطنية اكبر واعمق من تلك التي تعيشها سوريا حاليا. فاختيار المماطلة وتاليا المواجهة من نتائجه الاولى انهيار نظام يكتشف يوما بعد يوم مدى عزلته الدولية والعربية التي لا تعوضها تصريحات تضامنية ايرانية ولبنانية فئوية، مفهوم انها لا تقيم ادنى توازن يقي النظام السوري سيف المجتمع الدولي المصلت على رقبته، خصوصا في ظل الشبهات الكبيرة في ضلوع "زبدة" القيادة في النظام في جريمة اغتيال الحريري.

ليس امام الرئيس بشار الاسد اذا كان شخصيا بريئا من دم الحريري سوى اغتنام الفرصة المتاحة امامه اليوم للتخلص من وزر منعه وسيمنعه من بناء دولة عصرية والقيام باصلاحات تطيح نظاما تتعارض مصالحه ومصالح الشعب. ومنطلق التقاط الفرصة يكون في التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية ومن غير تحفظ وفي شكل يناقض مناخات التهييج لاعلام النظام المتحجر من ناحية، ودعوات لبنانية معزولة الى الاسد ليخوض معركة خاسرة سلفا تعجل في سقوط نظامه.

اننا ندعو الرئيس بشار الاسد الى اعتبار كل رأي نقدي لمساره السلبي في ادارة العلاقات اللبنانية – السورية المشتركة بمثابة خدمة حريصة على كل من لبنان وسوريا. فليس من الحكمة بمكان ان يرى الاسد في الاستقلاليين اللبنانيين اعداء لانهم ليسوا كذلك.

فهل تتغلب الحكمة والرؤيوية؟

مصادر
النهار (لبنان)