حلفاء سوريا في لبنان او بالاحرى الذين لا يزالون حلفاء لها ولاسباب متنوعة لا داعي الى الخوض فيها الآن رغم خروجها منه على نحو لا يسر صديقا او عدوا او شقيقا، يقولون ان ما حصل في 26 نيسان الماضي نتيجة حركة 14 آذار وعودة المجتمع الدولي بزعامة اميركا ومشاركة فرنسا الى الاهتمام بلبنان لم يكن اخراجا له من الوصاية السورية الى الاستقلال والسيادة والحرية بل كان نقلا له من وصاية "عنجر" حيث كان يقيم "الحاكم" السوري المباشر للبنان الى وصاية "عوكر" حيث يقيم ممثل الولايات المتحدة. وفي هذا الكلام اعتراف مباشر وغير مباشر بان سوريا كانت تمارس وصاية كاملة على البلاد او ربما ما هو اكثر من الوصاية. لكنه اعتراف متأخر لان هؤلاء الحلفاء لم يبدوا يوما انزعاجا من وصايتها بل اعتبروها رعاية لمسيرة نقل لبنان من الحرب الى السلم الاهلي وتثبيتا للبنان العربي السيد المستقل، علما ان هذه الرعاية طالت اكثر مما يجب الامر الذي سمح باثارة الشكوك عند لبنانيين كثيرين وعرب كثيرين كما عند اجانب كثيرين في الاهداف النهائية التي كانت تسعى سوريا الى تحقيقها في لبنان. وفي الكلام نفسه ايضا تجن على الاقل حتى الآن، وفي انتظار ان تثبت تطورات الموقف الدولي الايجابي الموحد من لبنان خطأ ذلك، على جهات لبنانية عدة متنوعة في انتمائها السياسي والطائفي والمذهبي. ذلك انه يتهمها بتفضيل وصاية اجنبية ذات خلفيات اسرائيلية على وصاية عربية شقيقة. وهذا غير صحيح على الاطلاق لان هذه الجهات وتحديدا المنتمية منها الى الاسلام سواء السياسي او الديني لم تبادر سوريا يوما بالعداء ولم تنكر فضائلها اللبنانية وفي مقدمها ترجمة القرار الدولي بوقف الحرب وتأمين المساعدة اللازمة للمقاومة الاسلامية والتي مكنتها من تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي. وهي لم تتحرك وخصوصا بعد التمديد القسري للرئيس اميل لحود ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري في اتجاهات مطالبة باستعادة لبنان من سوريا الا بعدما رأت ان شعارات التعاطي السوري مع لبنان اختلفت بل تناقضت مع الممارسات السورية فيه، وبعدما تأكدت ان الاستمرار في الصمت والسكوت بذريعة عدم جواز معارضة سوريا او ممارساتها لانها تشكل "جبهة الممانعة والصمود" الوحيدة امام اسرائيل واميركا لا بد ان يكون على حساب لبنان وثوابته الوطنية وحتى القومية. وفي الكلام نفسه ايضا تجن على المجتمع الدولي الذي لم يثبت حتى الآن بالدليل القاطع، وسوريا وحلفاؤها اللبنانيون من هواة هذا النوع من الادلة، انه يحاول ممارسة وصاية اخرى على لبنان اقسى واشد من الوصاية السورية. ذلك ان جل ما يفعله هو رعاية انتقال لبنان الذي ارادته ولا تزال تريده غالبية شعبه الى حال الاستقلال والسيادة والحرية والديموقراطية وحال العلاقة الاخوية السليمة مع سوريا. ولا ينفي ذلك بالطبع وجود مصالح دولية متنوعة لاصحاب الرعاية الدولية هذه. لكنه لا يعني ان اللبنانيين المراهنين عليها وهم كثيرون مستعدون لتحقيق كل هذه المصالح او التي تتعارض مع انتمائهم الوطني القومي ومع مصلحة بلادهم، علما ان سوريا نفسها ومعها حلفاؤها اللبنانيون لم تكن ضد الرعاية الدولية عندما فرضت هذه الرعاية على اللبنانيين قبولهم اياها في بلادهم عسكرا وامنا ومخابرات وسياسة لانها الوحيدة القادرة على انهاء حروبهم في ما بينهم وحروب الاخرين بواسطتهم على ارضهم. وعلما ايضا انه حصل يومها تلاق للمصالح بين سوريا والمجتمع الدولي حول قضايا عدة يتعلق بعضها بـ"الثوابت" الوطنية والقومية في حين ان بعضها الآخر يتعلق بامور اخرى يهمس بها اللبنانيون والعرب والعالم وان كانوا لا يجهرون بها على الاقل حتى الآن.

لماذا الحديث عن هذا الموضوع اليوم؟

ليس الهدف منه التهجم على سوريا او على اللبنانيين المستمرين في حلفهم معها حتى الآن ولا تبرير الرعاية الدولية او حتى تبرير تحولها وصاية. فذلك مستحيل في لبنان المتعدد والمعقد. وليس الهدف منه ايضا تصوير المجتمع الدولي منزها عن الأهواء والمصالح التي قد لا يتلاقى بعضها ومصالح لبنان، بل هو الانطلاق من كل الوارد اعلاه للحديث عن الاستحقاق الرئاسي وخصوصا بعدما ادخله اللبنانيون سواء المرحبين بالرعاية الدولية وبانهاء السيطرة السورية على لبنان او رافضي هذه الرعاية الذين قد يحن بعضهم الى السيطرة المذكورة في صلب اهتمام المجتمع الدولي وراحوا يتصرفون على اساس ان اميركا زعيمته هي المقرر الوحيد في هذا الشأن. وهذا امر غير صحيح، علما ان ذلك لا ينفي احتمال وجود تأثيرات اميركية غير مباشرة فيه وعليه.

انطلاقا من ذلك ما هو الموقف الاميركي من الاستحقاق الرئاسي اللبناني؟

المعلومات الواردة عن هذا الامر من واشنطن على عدد من المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة تشير الى الآتي:

- وجود شيء من التناقض داخل الادارة الاميركية وعدد من متعاطي الشأن العام في واشنطن حول اكمال الرئيس اميل لحود ولايته الممددة، فالبعض يعتبر ان لحود قد يبقى بضعة اشهر اخرى في الرئاسة وانه سيتخلى عنها عندما تقرر سوريا التعاون على نحو تام مع اميركا والمجتمع الدولي في عدد من القضايا المعروفة. والبعض الاخر يعتبر ان حسم الاستحقاق الرئاسي هو مهمة اللبنانيين. فاذا توافقوا على رئيس مقبول من الجميع ومستقل سيجد لحود نفسه مضطرا الى الاستقالة. ويعتبر البعض الاخير ان اكمال لحود ولايته الممددة ليس مستحيلا بسبب اختلافات اللبنانيين وخصوصا المسيحيين حول البديل منه وبسبب عدم ايلاء الادارة الاميركية او رئيسها جورج بوش هذا الامر اهتماما كبيرا. اذ ان ما يهم بوش هو استنفاد لحود وجعل وجوده بلا فائدة الى ان يرى اللبنانيون ان اوان تغييره قد حان او الى ان يتفقوا على ذلك.

- تفضل الولايات المتحدة في حال حُسم الاستحقاق الرئاسي ان يكون الرئيس الجديد لبنانيا مستقلا. لكنها لن تمتنع عن التعاون في حال انتخب اللبنانيون رئيسا "غير مستقل" اي بالمعنى الذي كان سائدا قبل 26 نيسان الماضي.

- تبدو الاتصالات مقطوعة بين واشنطن والرئيس لحود. لكن ليست هناك قطيعة، فالسفير الاميركي في بيروت سيزور بعبدا اذا طلب منه الرئيس لحود ذلك او استدعاه. واذا عينت اميركا سفيرا جديدا لها في لبنان فانه سيقدم اوراق اعتماده اليه.

- ان الديبلوماسيين الاجانب والعرب في لبنان مرتاحون هذه الايام اذ يتعاطون مع "رئيس" واحد للسلطة التنفيذية خلافا للسابق اذ كانوا مضطرين الى لقاء رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وفاعليات داخل الحكومة وكل التناقضات القائمة بينهم. لكن ذلك غير مريح للبنان اذ يؤدي استمرار ذلك على مدى سنتين الى تحول رئيس الدولة الى نوع من ملكة بريطانيا. وذلك يؤذي التركيبة اللبنانية والاستقرار في البلاد. وعلى المسيحيين ان يعوا هذا الامر وفي مقدمهم البطريرك الماروني وزعيم "التيار الوطني الحر".

- كان للادارة الاميركية دور في تأخير الجولة الاميركية للعماد ميشال عون تلافيا لظهورها مظهر المتدخل في الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعدما انفتح بابه على مصراعيه وبعدما جهر عون بترشحه للرئاسة الاولى واظهر ولا يزال "استشراسا"للوصول اليها.

مصادر
النهار (لبنان)