يواصل المصريون في الأيام القادمة جهودهم لدعوة قادة الفصائل الفلسطينية الى القاهرة من أجل البحث في تمديد اتفاق وقف النار الذي ستنتهي مدته نهاية العام، أي بعد أقل من شهرين. وكان رئيس السلطة أبو مازن نجح في إحراز هذا الاتفاق، بمساعدة من المصريين، في آذار الماضي، ويمكن القول ان هذا الاتفاق صمد على الرغم من خرقه مرات عديدة، ويشهد على ذلك العدد المتدني نسبياً هذا العام على صعيد العمليات والضحايا، لدى الطرفين. وعلى الرغم من أن المصريين حددوا منتصف الشهر القادم موعداً لبدء المباحثات في القاهرة، إلا أنه يُحتمل حصول تأخير لبضعة أيام.
يؤيد استمرار التهدئة بوضوح الشركاء الائتلافيون لأبو مازن، الذين ورثهم عن ياسر عرفات. لكن هذه الفصائل صغيرة ومن دون خلفية شعبية وعلى رأسهم الشيوعيين (حزب الشعب) و"فدا" (المنشقين عن الجبهة الديموقراطية). لكن المشكلة تكمن بالطبع في حماس، الجهاد الاسلامي، اليسار ومجموعات فتح مثل كتائب شهداء الأقصى. وغيرهم. فلهذه المجموعات مجتمعة تأييداً شعبياً واسع جداً ويحتاج الأمر الى جهد كبير لإقناع قياداتها بمواصلة التهدئة.

سبق لمشير المصري، الناطق باسم حماس في غزة، أن أعلن نهاية الأسبوع الماضي أنه: "لا يحلمن أحد أننا سنجدد التهدئة، لأنه تم الحفاظ عليها من طرف واحد فقط". كلامه جاء على خلفية عمليات التصفية الأخيرة التي نفذها الجيش الاسرائيلي في الضفة وغزة، والتي مسّت أيضاً بنشطاء من حماس، وفي ضوء موجة الاعتقالات الكبيرة التي شهدتها الضفة مؤخراً، والتي اعتقل خلالها بحسب مصادر فلسطينية نحو ألف شخص. كما ثار غضب شديد في قيادة حماس إثر البيان الصادر عن مصادر اسرائيلية والذي يفيد أن تسعة من أعضاء الحركة المعتقلين في اسرائيل انضموا في السجن الى خلية القاعدة. وجاء في بيان النفي الذي نشرته حماس أن ما نُشر هو "محاولة سخيفة لتشويه سمعتنا"، ذلك أن الحركة تعتبر نفسها حركة مقاومة وطنية وفلسطينية، وأنها لم تأت لإصلاح العالم الفاسد كله.

على الرغم من البيان الشديد الذي أصدرته حماس، من الجائر الافتراض أن الحركة ستوافق على تمديد التهدئة، بالطبع لعدة أسابيع أخرى، الى حين إجراء الانتخابات العامة للمجلس التشريعي (المقررة نهاية كانون الثاني)،. وحتى قادة الجهاد الاسلامي، الذين أكثر رجالهم من تنفيذ العمليات، أعلنوا أكثر من مرة أنهم ملتزمون بالتهدئة. وبحسب كلامهم، جاءت العمليات الأخيرة التي نفذوها انتقاماً ودفاعاً عن النفس في وجه الجيش الاسرائيلي الذي يواصل مهاجمتهم.

ثمة فرص جيدة لاستمرار التهدئة، لا سيما أن غالبية الجمهور الفلسطيني، الذي تعب وضعف جداً في سنوات الانتفاضة الخمس، يريد ذلك. فكل استطلاعات الرأي التي جرت في المناطق الفلسطينية تثبت ذلك. وعليه، يلقي أبومازن كل ثقله من أجل التهدئة، وهو يحظى بتأييد عربي ودولي كبير جداً، لم يسبق لأي زعيم فلسطيني أن حظي بمثله في السابق.

ومع ذلك، ممنوع ارتكاب الخطأ تجاه أبو مازن أو تجاه الرأي العام الفلسطيني. فاستعدادهم للتهدئة، أي لوقف العنف، لا يعني استعدادهم لقبول حتى الحد الأدنى من المطالب الاسرائيلية. فهم غير مستعدين لقبول الجدار الفاصل الذي يُبنى على أرضهم، ولا لقبول الجهد المبذول لتهويد القدس، ولا تعزيز الكتل الاستيطانية. بالنسبة للفلسطينيين يعني المطلب الاسرائيلي منهم التالي: أنتم الفلسطينيون ستجلسون بهدوء ونحن الاسرائيليون سنبني المستوطنات والمواقع الاستيطانية، نطرد العرب من القدس ونجلب يهوداً مكانهم. هذا ما حصل طوال السنين الماضية، حتى في فترة أوسلو، وهذا ما سيحصل.

على هذه الخلفية، في كل مرة يطلب من السلطة الفلسطينية تفكيك "البنى التحتية للارهاب"، يفهم الفلسطينيون في الضفة والقطاع هذا المطلب على أنه طلب استسلام، كطلب لعدم فعل شيء مقابل النشاط الاسرائيلي، وفقاً لذلك، فإن التهدئة التي ستستمر ستكون مؤقتة جداً وهشة، ستكون عبارة عن استراحة في الانتفاضة التي لا نرى لها نهاية.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)