منذ أيام دعا الأمين السابق للحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي رياض الترك، الرئيس بشار الأسد الى "تقديم استقالته ومعه مجلس وزرائه الى مجلس الشعب". وأضاف الترك أن هناك مجموعة افكار يمكن أن تشكل مخرجاً آمناً نستطيع بواسطته أن نحل العقدة الشائكة مع مجلس الأمن.

لكن لم تمضِ ايام قليلة على ما طرحه المعارض السوري الشهير حتى بادر معارض آخر هو حسن عبد العظيم الذي رعى إطلاق "إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي" الى معارضة ما أتى به الترك ورأى في ذلك "مشروعاً شخصياً واصحاب اعلان دمشق لا علاقة لهم بهذا الموضوع". وفوق ذلك وفي ما يبدو أنه تضامن مع الرئيس بشار الأسد والنظام الذي يمثله رأى حسن عبد العظيم الذي يرأس حزبا ناصريا في أكبر ائتلاف معارض داخل سوريا، ان "المطلوب القيام بإجراءات جدية على المستوى الداخلي بالنسبة الى التحول الديموقراطي والافراج عن المعتقلين في شكل كامل ونهائي والغاء حال الطوارئ والانفتاح الكامل على الشعب السوري والاستجابة لمطالب التغيير الديموقراطي باعتبار ان ذلك هو ما سيعزز الوحدة الوطنية ويقوي الجبهة الداخلية في مواجهة اي اخطار او تهديدات او عقوبات اقتصادية وغير اقتصادية".

ما أتى به عبد العظيم من مطالب يشي بشكل واضح وغير ملتبس أنه ليس في نيته ونية الأحزاب المعارضة مجرد التفكير في تغيير النظام واستبداله، بل مجرد مطالبته بتغييرات ديموقراطية معينة يقوم بها النظام ذاته من أجل "مواجهة التهديدات الخارجية". وهذا يعني تماما أن الأولوية أو "الإشكالية" عند جزء كبير من الأحزاب السورية المعارضة ليست عند النظام بل عند من "يتربصون بالوحدة الوطنية".

وبغض النظر عن الموقف الجلي الواضح، وبالمناسبة هو ليس موقفاً خاصاً بحزب أو شخص، بل هناك طيف واسع يشارك عبد العظيم خطابه ورؤاه، فإن الحزب الذي يرأسه وهو "الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي" يضم بضعة آلاف فقط، كذلك حال بقية الأحزاب، حيث لا يتجاوز أعضاء منتسبيها المئات ربما.

هذه "القلة" المعارضة، بالمقارنة مع "مؤسسة البعث" التي تتحدث عن مليونين من الأعضاء والمتغلغلة في الوزارات والمؤسسات العامة والمدارس والجامعات والشركات والمعامل والاعلام والقضاء وقبل ذلك تسيطر على الجيش والمؤسسات الأمنية، عدا "جيش" المنتفعين غير البعثيين الذين يجدون أن مصالحهم مع النظام والبعث لا المعارضة وأحزابها، إن هذه "القلة" المعارضة تبدو مجرد تفصيل صغير في الحياة السورية السياسية والاجتماعية وما ينتظر النظام من مستقبل وما يُعَد له من مشاريع للتغيير.

هذا لا يعني أبدا أن "المليونين" يشكلون قوة ستمنع التغيير، فالجميع واكبوا ويعرفون مصير "الرقم" في الدول والأنظمة ذات البنية المشابهة، كالاتحاد السوفياتي والمانيا الشرقية وبلغاريا و...العراق. كذلك لا يعني تغلغل البعثيين وتواجدهم في كل مرافق الدولة أنهم الوحيدون، لا بل هناك الكثير من السوريين المختلفين معهم، لكنهم أيضا السوريون الذي لا يجيدون سوى الصمت ولا يشكلون أو يمثلون أي قوة مسيسة منظمة. إن قوتهم الوحيدة ربما تكمن في معارضتهم السلبية الصامتة وما يختزنون من "نقمة" على سياسات اقتصادية حكومية وعلى فساد يضطرون للتعايش معه مرغمين.

أمام حال "الضعف" العام بوجهيه "الرسمي المؤسسي البعثي" والآخر "الحزبي المعارض الشعبي" تبرز قوة وحيدة منظمة ومؤسسة تمتلك "شرعية خطابية " لا يستهان بها في بلد مثل سوريا تقوم على "التصدي للمشاريع الأميركية في المنطقة ودعم خيار المقاومة في فلسطين والعراق والتحالف مع دول وأحزاب تقف في وجه إسرائيل كايران وحزب الله" .

لكن هذه "الشرعية" التي يستمد منها النظام جزءاً من قوته وديمومته داخليا، هي ذاتها التي يتكئ عليها ويردد مفرداتها لكن من موقع معارض شخص مثل حسن عبد العظيم وحزبه وبقية الأحزاب المعارضة وإن اشتمل خطابها على مطالب عن التغيير والاصلاح والديموقراطية والافراج عن المعتقلين. لكن حتى في ذلك هي لا تختلف عن النظام الذي تعارضه، والدليل، أن النظام ذاته يتحدث عن الاصلاح وما اصدره من مراسيم وما اتخذه من إجراءات لمحاربة الفساد وما يعده من مشاريع كقانون الاحزاب الذي سيعرض قريبا على النقاش العام، وأخيرا تحدث عن مشروعه لتعديل قانون الاحصاء الاستثنائي لعام 1962 الذي يحرم عشرات الالاف من الأكراد السوريين الجنسية السورية؟

وعليه، اذا قام النظام بسحب البساط من تحت أقدام هذه المعارضة ونفذ الكثير من الخطوات الانفراجية على الصعيد الداخلي، ماذا سيبقى لهذه المعارضة كي تختلف معه ويتناقض مع الدعوة "للحفاظ على الوحدة الوطنية" و"مواجهة المخططات التي تستهدف سوريا"؟

على هذه الخلفية وحدها يمكن فهم لماذا ينحو جزء من الخطاب الأميركي للحديث عن "تغيير سلوك النظام" لا تغيير النظام ذاته، وعليه يبدو الحديث عن "صفقة" بين دمشق وواشنطن، قد تحصل في أي وقت، وارداً ومقبولاً. كذلك يمكن فهم "التغطية" المصرية - السعودية والقلق الذي عبرت عنه الدولتان في أكثر من مناسبة على مستقبل النظام. إن سببا واحدا يقف وراء ذلك، هو ضعف كل شيء في سوريا: الأحزاب والمعارضة والمجتمع السوري ذاته، وأقوى الضعفاء هو النظام ذاته سواء بخطابه أو بما يملك ويسيطر عليه.

هنا يمكن القول أن الولايات المتحدة رغم كل محاولات التضييق على دمشق ورغم التلويح لها بإمكان تغيير النظام من طريق بعض المعارضة السورية في الخارج، لا تبدو جادة في ذلك، لأنها تدرك جيدا أن تلك المعارضة، والداخلية أيضا، لا يمكن التعويل عليها نتيجة ضعفها وتشرذمها وتناقضات عموم طيفها سواء منه الاسلامي أو الليبرالي الجديد. وهذا بحد ذاته أدركه النظام السوري باكرا ورأى فيه مصدر قوة له لا ضعف طالما أن لا أحد في المعارضة يستطيع ضمان الاستقرار الداخلي والاقليمي من بعده في حال اسقاطه. وعليه يفسح ضعف المعارضة السورية، الى قوة النظام، وخبرته الطويلة في ضبط الكثير من البؤر القابلة للتفجر داخليا واقليميا، إمكاناً لحصول تفاهمات في أي وقت.

صحيح أن النظام السوري يعيش تحت الضغط المتواصل منذ الإحتلال الأميركي للعراق، وبات اليوم تحت المجهر الدولي بفعل الكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، خاصة تلك المتعلقة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لكن حين السؤال عن مستقبل سوريا ونظامها، لا يمكن الاعتراف إلا بقوة واحدة سياسية وعسكرية وأمنية منظمة ما زالت الأقوى هي مؤسسة البعث وتفرعاتها وامتدادتها. كذلك وأمام غياب "كاريزما" سورية معارضة تحظى بتأييد داخلي وتغطية عربية "مصرية - سعودية" وأخرى دولية... يبقى بشار الأسد أيضا الأقوى بين الجميع و... الأضمن للاستقرار.

مصادر
النهار (لبنان)