يجلس زعيم جماعة الاخوان المسلمين في سورية، علي صدر الدين البيانوني، في بيت من طابقين في أواخر شارع كئيب في ضواحي لندن يبعد 2200 ميل عن وطنه. ويقع مكتبه في الطابق الأعلى، وفي الطابق الأسفل جهاز تلفزيون مفتوح على قناة العربية الفضائية التي كانت تقدم نشرة اخبارية عن بلده الذي أرغم على مغادرته قبل 26 عاما. ويقول زعيم المجموعة المحظورة في سورية والتي تعتبر اقوى حركة معارضة في البلاد، «أعيش هنا كغريب».
غير ان سنوات البيانوني في المنفى روضته بيد العالم الحديث، ففي كل يوم تصله عشرات الرسائل بالبريد الإلكتروني من بين 300 عنوان في سورية، مما يجعله على معرفة بآخر التطورات في وطنه. وهو على صلات دائمة مع رفاقه من قادة الاخوان المسلمين الموجودين في الدول العربية وأوروبا. وهاتفه الجوال البريطاني مليء بالرسائل النصية. ويوم الجمعة الماضي تلقى رسالة اعتبرها جديرة بالتذكر، فقد قال مرسلها انه يأمل في ان يكون البيانوني في دمشق العام المقبل.

وبالنسبة لبيانوني والمنفيين الآخرين، وبالنسبة للمسؤولين السوريين والنشطاء في داخل البلاد، فان هذه الأيام تختلف عن غيرها على مدى جيل وربما تختلف عن كل الأيام الأخرى في تاريخ سورية الحديث. وسوية يعيدون النظر في الآيديولوجيات ويصوغون الرؤى ويحددون لأنفسهم موقعا في مستقبل سورية، حتى في حالة بقاء حاضرها مبهما وسط الأزمة المرتبطة بتحقيق الأمم المتحدة الذي ربط بين مسؤولين سوريين واغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) الماضي.

ويتجه الجدال الى صلب الأسئلة التي ظلت بدون اجابات منذ استقلال سورية عام 1946: ما هي طبيعة المجتمع السوري، دينية أم علمانية؟ كيف يمكن تجسيد هويتها على أفضل نحو؟ وهل سيؤدي تنوع سورية القابل للاشتعال الى تفككها؟

وفي عمر السابعة والستين يتحدى البيانوني صورة رجل الدين. فهذا الاب لسبعة ابناء رجل نحيف ورياضي ومولع بالتنس والكرة الطائرة والسباحة فضلا عن تنس الطاولة. ويتمتع بالذهن العميق لمحام بارع ذي حس سياسي ساعده على ادارة مد وجزر مصائر حركة الاخوان خلال عقود من النشاط العنفي في بعض الأحيان. وفي السنوات الأولى للاستقلال السوري كسبت حركة الاخوان المسلمين دعما لها في مدن مثل حمص وحماة وحلب التي تقطنها أغلبية من السنة. وعبر تنافسها المديد مع الحزبين العلمانيين البعث والشيوعي، ظلت ترفع شعار «الاسلام هو الحل» مؤكدة على ان سلبيات العالم الحديث يمكن ان تعالج عبر دين متجدد.

وفي سبعينات القرن العشرين وضع الصراع الجماعة في مجابهة مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، وقامت منظمة الاخوان المسلمين والجماعات المنشقة عنها باغتيال ضباط بعثيين وعلويين وشن هجمات في دمشق وأماكن اخرى. وكان رد فعل الحكومة استخدام القوة الغاشمة مما أدى الى ما اسماه البعض بحرب اهلية، بلغت ذروتها في سحق انتفاضة 1982 في حماة حيث قدر عدد القتلي بما يتراوح بين 10 آلاف الى 30 ألف شخص. وتعرضت زعامة الحركة الى القتل أو السجن أو النفي، وجرى تفكيك منظمتها داخل سورية.

وقال البيانوني ان «المنظمة ارتكبت خطأ بانجرارها الى هذه المعركة مع النظام». ومنذئذ يشارك البيانوني في عملية السعي الى وضع اسس عودة حركة الاخوان المسلمين الى النشاط السياسي في سورية.

وقال ان «المنظمة لن تكون بديلا لهذا النظام. البديل هو حكومة وطنية ذات قاعدة واسعة يساهم الاخوان المسلمون فيها، مثل أي قوة سياسية اخرى».

وفي عام 2002 نشر البيانوني ميثاقا وطنيا يدعو الى تأسيس دولة ديمقراطية ورفض العنف. وفي عام 2004 تخلى الاخوان المسلمون عن فكرة «اننا نعتبر انفسنا الحركة التي تمثل كل المسملين». وفي نفس الوثيقة، اقرت حركة الاخوان المسلمين حقوق المرأة وقالت انها ستسعى الى النشر التدريجي للشريعة، وترك التشريعات الحقيقية للممثلين المنتخبين. (ذكر البيانوني في المقابلة ان «ارتداء المرأة للحجاب، وفصل التعليم بين الاولاد والبنات ومنع الكحول، ليس من الاولويات في هذه المرحلة».) وبعدها بعام تخلت الحركة في النداء الوطني للانقاذ، عن الانتقام من جرائم الماضي وطالبت بتشكيل الاحزاب السياسية والانتخابات الحرة.

واوضح البيانوني «ان الاخوان المسلمين على استعداد لقبول الاخر والتعامل معه. ونعتقد ان سورية هي لكل شعبها، بغض النظر عن المذهب والطائفة او الدين. ليس من حق أي انسان استبعاد أي شخص اخر».

ولا تزال تصريحات البيانوني لها وزنها في سورية. فقد ذكر ان الاخوان حركة من ضمن العديد من الجماعات الاسلامية، وادعى ان الحكومة تبالغ في قوة منظمته لاخافة الاقليات والعلمانيين. ولكن في نفس الوقت، اصر على ان الاخوان هم الجماعة الوحيدة التي تمثل الاغلبية السنية والوحيدة التي تحظى بمعظم التأييد، «الجميع يعترف بذلك».

وفي دمشق تحدث محمد حبش وهو عضو البرلمان وممثل ما يصفه بالاتجاه الليبرالي للاسلام السياسي، بهدوء يناقض دعوته المتعارضة والافكار التقليدية. وافكاره غير عادية بالنسبة لعالم اسلامي: فهو يصر على ان الاسلام ليس الطريق الوحيد للانقاذ، والحجاب ليس اجباريا.

وما يقلق حبش ليس الحركات العلمانية التي سيطرت على الحياة السورية، ولكن النموذج الذي يجري في العراق، حيث استغل نموذج متطرف من الاسلام الفراغ الناجم عن انهيار حكم شمولي استمر 35 سنة. واوضح «اعتقد اننا نتجه لايام سوداء. فلنكن أمناء».

وفي الوقت الذي طمأنت فيه تصريحات الاخوان المسلمين البعض في سورية، فإن البعض الاخر يشعر بالقلق من ان الجماعات الاسلامية الاكثر تطرفا ربما تطغى على حركة الاخوان مستفيدة من تدين المجتمع السوري. فانتشار الحجاب هو اكثر تلك المظاهر وضوحا.

ويوضح نبيل سكر وهو اقتصادي سابق كان يعمل في البنك الدولي، «نرحب بالمسلمين المعتدلين. انا لا اعتقد انهم يمثلون تهديدا بأي شكل كان. الاسلاميون المتطرفون هم الذين يثيرون المخاوف، وما اذا كانوا هم الاغلبية ام لا لا اعرف الاجابة على ذلك». لدى بثينة شعبان رؤية لسورية علمانية، بديلة لمخاوف حبش. وهي وزيرة في الحكومة، وتسعى لتحديث الايديولوجيا الحكومية التي يعتبرها النقاد بالية بل ربما لا يمكن تغييرها. وقالت بثينة شعبان البالغة من العمر 53 سنة «لا يوجد شيء خطأ في نظريات حزب البعث. حزب البعث حزب علماني منذ البداية. فهو يدعو للمساواة بين الرجال والنساء، ويمنح كل سوري من أي خلفية اجتماعية او سياسية او دينية الحق في الانضمام لحزب البعث. ولكن هناك العديد من الاشياء التي يجب اصلاحها. والان فإن حزب البعث في مرحلة اذا ما اراد الاستمرار عليه اصلاح ذاته».

وقال معن عبد السلام وهو ناشط سياسي وكاتب في الخامسة والثلاثين من عمره، نادرا ما يبتسم، «لست متفائلا على الاطلاق»، ولديه هو الاخر رؤية علمانية: ظهور مجتمع مدني ناشط، بالرغم من جهود الحكومة لمنعه. واوضح «لست متفائلا لسبب واحد وبسيط: اسمع كل يوم رغبة السلطات السورية في التغيير والاصلاح، ولكن لم اسمع تعليقا واحدا بأننا ارتكبنا اخطاء. لا يمكن الاصلاح اذا لم تعترف بالاخطاء. لا يمكنك التقدم اذا لم تعتذر.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)