لان اللبنانيين سيتابعون اليوم خطاب الرئيس السوري بشار الأسد ربما اكثر من أشقائهم السوريين، فإن تمنياتهم ستكون على الارجح أكبر مما يتوقعون، لكنهم سيحتفظون بقرينة الخيبة.

ليس من الصعب وضع تصور لما يود اللبنانيون، على اختلاف مواقفهم وانتماءاتهم وصلاتهم بسوريا، سماعه اليوم من الرئيس الأسد، الذي قال منذ وصوله الى السلطة قبل خمس سنوات جملا مبتورة أو ناقصة عن لبنان، كانت ولا تزال تحتاج الى توضيح او تفسير او استكمال، لكنها صارت تستدعي موقفا نهائيا وحاسما.

لا يدور الجدل حول اعتراف الأسد المتقدم على والده الراحل باستقلال لبنان وسيادته، والدلائل المتعددة التي أعطاها، وهي لم تكن سوى استجابة لمناخ إقليمي ودولي مناهض لامتداد الدور السوري في لبنان نحو ثلاثة عقود، لا سيما أنها لم تسفر عن أي تعديل جوهري في السلوك السوري تجاه لبنان، الذي ازداد سوءا وفظاظة وفسادا في السنوات الخمس الماضية.

في خطابه الاخير امام مجلس الشعب السوري في الخامس من آذار الماضي، الذي اعلن فيه الاسد الخروج من لبنان، ورد في سياق السجال البائس مع أعداد المتظاهرين في شوارع بيروت، إقرار عابر بأخطاء سورية ارتكبت في لبنان، ضاع في خضم الاحساس السوري العام بما سمي بالطعنة اللبنانية التي وجهت الى سوريا وتضحياتها في لبنان، بل استبعد لمصلحة عدد من الاجراءات الانتقامية التي لا يزال بعضها ساري المفعول حتى اليوم.

لا يطلب اللبنانيون في خطاب اليوم سردا مفصلا لهذه الاخطاء لانهم يعرفونها جيدا، ولا يتوقعون اعتذارا علنيا عنها لانهم شركاء في معظمها، لكنهم بالتأكيد ينتظرون مجرد تعبير أولي عن الرغبة في طي صفحة الماضي والصفح المتبادل طبعا عن كل ما جرى من تشويه متبادل أيضا للعلاقات بين البلدين والشعبين.. مع استثناء وحيد هو جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي خرجت من يد الدولتين، لكن ما زال يمكن ان تستعاد بالإعلان الجدي عن ان سوريا تضع المتورطين في تصرف القضاء اللبناني لكي يأخذ مجراه من دون خوف أو رحمة..

ومن شأن هذا الموقف أن يحد من الاستثمار الدولي للجريمة، وأن يؤكد الاحترام السوري المفقود للبنان ودولته ومؤسساته، وأن يساهم في إعادة تأسيس العلاقات الثنائية على قواعد متينة، بدلا من تذكير اللبنانيين كل يوم تقريبا بمخاوف لم تعد مقنعة عن التوطين والتقسيم، والتدخل الدولي الذي لم يثبت حتى اليوم أنه يناقض المصالح الوطنية اللبنانية العليا بما في ذلك المصلحة الاهم التي تنفي معاهدة السلام المستحيلة مع العدو الاسرائيلي.

لا يود أي لبناني أن يكون الاجنبي أقرب إليه من الشقيق. يكفيه أن يسمع في خطاب اليوم جملة واحدة: تعالوا نفتح معا صفحة جديدة.

مصادر
السفير (لبنان)