لماذا اخترت الكتابة عن مصطفى العقاد الآن رغم وجود موضوعين جاهزين للنشر وعلى درجة كبيرة من الأهمية ...الموضوع الأول عن فضيحة الإفراج عن عرفات والاتهامات الموجهة لاقرب مستشاريه ... والموضوع الثاني : عن فضيحة محاكمة توجان فيصل وعلاقة العقيد مهند حجازي بتلفيق الاتهامات لتوجان إرضاء لعلي أبو الراغب وطمعا في الوصول إلى منصب اكبر رغم تاريخه الفاسد الذي سنعرض له بالتفصيل الممل .

قلت : اخترت إعطاء موضوع مصطفى العقاد الأولوية لثلاثة أسباب :

الأول : حتى اعتذر له فقبل عشر سنوات تسربت مقالة إلى عرب تايمز أساءت إلى الرجل وكانت تلك إحدى زلات عرب تايمز التي لا تغتفر .

الثاني : لان العقاد أنقذني من ورطة اسمها أسامة بن لادن .

الثالث : لان العقاد هو القادر على إحداث تغيير في وجهة نظر رجل الشارع في أمريكا تجاه العرب والمسلمين .

ولنبدأ الحكاية من أولها .

بعد الهجوم على نيويورك وواشنطن باسم الإسلام والمسلمين وباستخدام طائرات ركاب مدنية طرق جاري الأمريكي العجوز الباب علي لانه يعرف أنى عربي ومسلم ولاننا اعتدنا أن نتسامر رغم فارق السن بيننا ولانه وضع ثقته الكاملة بي حتى انه يستأمنني على شئون بيته وأمواله في حين يرفض ان يسمح لأولاده بدخول منزله في غيابه ... وعلى غير عادته قعد الرجل أمامي متجهما وهو يقول : نحن أصدقاء ... وانت أغلى علي من أولادي ... ولم أسألك من قبل عن ديانتك أو ملتك ... ولكن هذا الذي حدث في نيويورك باسم الإسلام والمسلمين يجعلني اسالك عن هذا الدين ... هل صحيح أن من يقتل الناس على هذا النحو يذهب إلى الجنة ؟ ومن هو محمد ؟ وما هي قصة ظهور هذا الدين وكيف ظهر ؟

كنت – مثل غيري من عرب أمريكا – في بوز المدفع ... وكان علينا أن نوضح ونبرر ونحلل ما حدث بصفتنا من العرب ومن المسلمين ولم تكن المهمة سهلة فالشارع الأمريكي كان محتقنا ضد كل ما هو عربي ومسلم ... ولم أكن مزاجيا ونفسيا في حالة تسمح لي بأن أتحدث في موضوع كهذا ... ولم يكن بمقدوري أن أرد جاري العجوز الطيب الذي وجد انه من حق الصداقة والجيرة علي أن أوضح له جريمة بهذا الحجم ارتكبت باسم الإسلام والمسلمين ليس دفاعا عن المجرمين ...وانما دفاعا عن الإسلام الذي حرم على مقاتليه منذ البدايات أن يمسوا طفلا أو امرأة أو يقطعوا شجرة في حربهم ... فإذا بنا نرى مسلمين يحولون طائرات مدنية تغص بالركاب الأبرياء إلى صواريخ تدك مكاتب تغص بالعاملين المدنيين ممن لا ناقة لهم ولا بعير فتقتل منهم الآلاف باسم الإسلام ...والمسلمين .

وفجأة قفزت أفلام مصطفى العقاد التي كنت أرصها على الرف لتخلصني من هذه الورطة ... كنت قد اشتريت فيلمي الرسالة وعمر المختار من مطار باريس ... ولم أجد في حينه الرغبة في مشاهدة الفيلمين حيث كنت متأثرا بمقالات نقدية كنت قد قرأتها عن العقاد وفيليمه فضلا عن إحساس بالعداء للرجل خلفته سلسلة معارك هامشية مع عرب كاليفورنيا ... ومع آني شاهدت لقطات من الفلمين في مناسبات مختلفة إلا أنى لا اذكر أنى شاهدتهما من قبل بالكامل .

أعطيت الفلمين لجاري العجوز وقلت له إن الفيلم الأول لانطوني كوين يروي بالتفصيل قصة ظهور الإسلام وأخلاقيات المعارك عند المسلمين الأوائل ... وأن الفيلم الثاني يروي حكاية ثائر عربي عجوز قاد حرب التحرير العربية في ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي .

في صبيحة اليوم التالي طرق الرجل الباب وهو في حالة من الذهول ... والإعجاب ... وأقر أمامي انه لم يكن يعرف أن المسلمين على هذه الدرجة من الشفافية ... والإخلاص ... والإيمان ... ودعاني إلى مشاهدة الفلمين معه لانه يرغب في أن يسأل عنه بعض التفصيلات التي وردت في بعض المشاهد ... وكانت هذه هي المرة الأولى التي اجلس فيها أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة فلمي الرسالة ... وعمر المختار ... وكنت أكثر ذهولا من جاري العجوز .... لقد قدم العقاد صورة تاريخية دقيقة ومشرقة عن الإسلام والمسلمين مستخدما أدوات السينما بحرفية عالية جدا تدعو إلى الاحترام والتقدير .

لندخل الآن إلى لب القضية ... والغرض من هذا التعريف برجل عظيم مثل مصطفى العقاد .

غني عن التعريف أن رجل الشارع الأمريكي ... وحتى المثقف ... يستقي معلوماته من الشاشة الصغيرة ومن السينما ... فكارثة سفينة التايتانك كانت مهملة في ذاكرة التاريخ ولا يكاد يذكرها أحد إلى أن عادت هوليوود بعثها في فيلم أضاف إليه المخرج وكاتب السيناريو الكثير مما لا علاقة له بالتاريخ ... ولا أظن أن هناك من يجهل الآن – حتى بين العرب – حكاية سفينة تايتانك ... الحكاية كما روتها هوليوود وليس كما وردت في ملفات التحقيق .

الأمريكيون لم يعرفوا بيرل هاربر على حقيقتها إلا بعد ظهور الفيلم الذي يحمل اسم بيرل هاربر العام الماضي ... ويقول كثيرون أن لفيلم الوصايا العشر الفضل الأكبر في توسيع رقعة المنتمين إلى الكنيسة في العالم الجديد ...

هذه الحقيقة تنبه إليها اليهود ووظفوها جيدا حتى أصبحت الأفلام التي تتحدث عن مآسيهم في الحرب العالمية الثانية مقررة على المشاهدين في كل مناسبة ... بينما ظلت صورة العربي النمطية في السينما الأمريكية واحدة لا تختلف إطلاقا عن أول ظهور لها في أفلام فالانتينو ... صورة الأمير الثري المغرم بالنساء والبعير ... أو صورة اللص القاتل .

بعد أحداث سبتمبر أنفقت السفارات الخليجية في واشنطن مئات الألوف من الدولارات على إعلانات في الصحف الأمريكية لعلها تحسن من صورتها دون فائدة ... ونشرت الصحف أن سفارة خليجية تدفع ربع مليون دولار شهريا لشركة علاقات عامة أمريكية لتحسين صورة مواطني تلك الدولة في أمريكا ... وقبل ذلك أعلنت جامعة الدول العربية عن تخصيص مبلغ من المال للقيام بحملة إعلانية في أمريكا ... وكلها – للأسف – محاولات ساذجة توكل مهمتها لأشخاص لا علاقة لهم بالعمل الإعلاني أو الإعلامي وغالبا ما تنتهي الأموال إلى جيوب العاملين في السفارات العربية ومكاتبها الإعلامية .

أثرياء العرب يستثمرون أموالهم في الفنادق ودور اللهو واسطبلات الخيول في أوروبا وامريكا وينفقون عليها المليارات دون أن يكون لها العائد المعنوي أو المادي المطلوب في حين أن الاستثمار في فيلم واحد قد يعود على صاحبة بدخل يوازي أحيانا مداخيل وموازنات دول بأكملها ... فضلا عن الجانب الدعائي والإعلامي الذي ينتج عن هذا الاستثمار .

الصراع مع إسرائيل هو قطعا صراع حضاري وجبهة الإعلام هي واحدة من أهم الجبهات ... لذا وجدنا شارون يسارع إلى بعث خصمه نيتنياهو إلى واشنطن لان المذكور يتقن لغة التخاطب مع الإعلام الأمريكي ... بينما ظل الإعلام العربي مرهونا بمجموعة من الدخلاء الذين لا يحسنون اللغة الإنجليزية بله العربية ... ولعلنا نذكر ان عرفات كان يمول مكتبا للإعلام في أمريكا تمتلكه حماته ريموندا الطويل ... هذا المكتب الذي كان يدار بإشراف صحافي إسرائيلي كان همه انتهاك أعراض الحكام العرب ... والإعلاميين العرب في أمريكا ولدينا وثائق خطية على هذا بينما لا نجد له أثرا في معركة المواجهة مع إسرائيل .

مليارات الدولارات ينفقها العرب على أسلحة متطورة لا يحسنون استعمالها ... وعندما غزاهم صدام هربوا من بلادهم واستأجروا من يقاتل بالنيابة .

إذا اراد العرب أن يلعبوا في الساحة الأمريكية وان يحجموا النفوذ اليهودي في هذه الساحة عليهم ان يدخلوا الى اللعبة بالمنطق الأمريكي وبأدوات المخاطبة والتفهم المتداولة في هذه الساحة ... والسينما من اهم هذه الأدوات ... ومن هنا تأتي أهمية رجل مثل مصطفى العقاد ... هذا الرجل قدم خدمة للإسلام والمسلمين من خلال فيلمه الرسالة تزيد مليون ضعف عما يمكن ان تقدمه خطب وفتاوى أصحاب العمائم .

والعقاد بعد هذا ليس من عرب أمريكا المتخوججين ... أي من الخواجات الذين لا يحسنون العربية مثل معظم قيادات عرب أمريكا ... هو رجل ولد وعاش وتعلم في حلب ولما انتقل الى أمريكا لدراسة السينما نقل معه عبق الأحياء القديمة في حلب ... هذا رجل انصهرت في بوتقة عقله وثقافته قيم الشرق العربي جنبا الى جنب مع أدوات الإبداع والإنتاج الغربي ... هذا رجل يفهم العقل الأمريكي ويحسن مخاطبته ... فلماذا اذن لا توكل اليه مهمه تقديم صورة مشرقة للعرب والمسلمين الى رجل الشارع في أمريكا طالما اننا نقر ان جميع اوراق اللعب في الشرق الأوسط بيد اللاعب الأمريكي

مصادر
العرب تايمز (الولايات المتحدة)