يعود المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد غدا الى مسقط رأسه في مدينة حلب، جثة هامدة بعد أن فارقت روحه الحياة في مستشفى بالعاصمة الاردنية، عمان، صباح امس، متأثرا بجروح اصيب بها في التفجيرات الارهابية، بينما نقل جثمان ابنته ريما الى بيروت حيث كانت تقيم مع زوجها.
وُلِدَ العقاد عام 1935 في مدينة حلب التي يطلق عليها «حلب الشهباء» في شمال وسط سورية، القريبة من الحدود التركية، لأسرة متواضعة وفقيرة. وفيها تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي. ولع بالسينما وحلم بدراسة الاخراج السينمائي وهو صغير.

وعن أحلامه هذه، نقل عن العقاد قوله: «حلب، هذه المدينة الصغيرة التي أحملها في قلبي دائماَ هي مدينتي، ولدت ونشأت فيها.. كان لدينا جار يعرض الأفلام السينمائية، وكان يأخذني في الصغر لأتابع كيفية عرض الأفلام وقص المشاهد الممنوعة. ومع مرور الوقت أصبحت مولعاَ بالسينما. وعندما بلغت الثامنة عشرة من عمري، قررت أن أصبح مخرجاَ سينمائياَ، وفي هوليوود تحديداَ. ويا لها من ردة فعل كانت لأهالي حلب بعد أن بُحْتُ بأحلامي، فقد أضحيت أضحوكتهم. قالوا: احلم على قدك، اذهب الى الشام أو مصر لتدرس الإخراج هناك... لكني كنت مصمماَ على هوليوود». واضاف: «عندما أعود الى الوراء، أجد أن ما كنت أفكر فيه آنذاك كان ضرباً من الجنون، فأولاً أبي رجل فقير «على قد حاله».. ثانياَ، الفكرة كانت مرفوضة اجتماعياَ.. لكنني قررت وعقدت العزم.. كنت حينها طالباَ في احدى المدارس الأميركية عندما قدمت طلباَ لجامعة «يو.سي.ال.آي». شاء القدر أن أحظى بالقبول... عندها قال لي والدي: افعل ما تشاء لكنني غير قادر على إعانتك مادياَ.. مكثت عاماَ كاملاَ أعمل لكي أوفر ثمن بطاقة الطائرة. وقبل رحيلي، أعطاني والدي مصحفاَ و200 دولار، وهذه كانت أقصى قدراته».

وعن رحلته، قال: «الرحلة كانت شاقة، فلقد ذهبت فقيرا مادياَ لكنني غني دينياَ وتربوياَ وقومياَ، وهذا كان رأسمالي... وعندما وصلت إلى أميركا وعرفت المجتمع هناك، قدّرت قيمة الأخلاق التي ربّاني عليها والدي، لكنني لا أنكر أنني حملت معي بعض مركبات النقص. وعلى مقاعد الدراسة ومع الاختلاط بعدة جنسيات، اكتشفت أنه لا ينقصني شيء، كوني مسلما وعربيا... وبعد هذا الاكتشاف حدث انقلاب في تفكيري ومركب النقص تحول الى ثقة. ومن هذه النقطة بدأت أنقل الخبرة إلى وطني وصممت أن أقدم لأمتي خلاصة تعبي وتصميمي، وذلك عن طريق الأفلام السينمائية. فتوجهت الى التاريخ، ففي يوم من الأيام حكمنا الأندلس وعلمنا «الهَمَجَ» الأوروبيين (آنذاك). نحن من علّمَ الفلكَ والطبَّ واكتشف الأبجديةَ». وكانت هذه بداية تحقيق الحلم، وأول خطوة على طريق الشهرة العالمية. وفي عام 1954 غادر الشاب الصغير الذي لم يكن قد أكمل عقده الثاني من العمر مسقط رأسه، ليدرس الإخراج في الولايات المتحدة. بعد التخرج، بدأ العقاد مرحلة المجاعة كما كان يصفها. فقد قدم طلبات عمل لسبعة استوديوهات ضخمة وجميع محطات التلفزيون ووكالات الاعلان. «حالفني الحظ عندما طلب المخرج سام بكينباه، من الجامعة مساعدته في اقتراح منصب مستشار يتحدث اللغة العربية ليساعده في فيلم عن الجزائر، لكن الحظ لم يطل، اذ تحررت الجزائر واسترجعت استقلالها عام 1962. ثم فتحت الابواب أمامي الى عاصمة السينما العالمية هوليوود. ولم يقتصر عملي على الاخراج والانتاج بل عملت ايضا ممثلا، وتواصل عملي على مدى 45 عاما».

شارك العقاد منتجا منفذا في سلسلة افلام «هالاوين». و«هالاوين» هو عيد يحتفل به في الغرب لا سيما بريطانيا والولايات المتحدة والبلدان الناطقة باللغة الانجليزية، حيث يخرج فيه الاطفال متخفين بثياب مختلفة، يطرقون أبواب المنازل طلبا للحلوى، مخيرين أصحابها بين تقديم الحلوى وما يجودون به مثل النقود.. او ممارسة المقالب عليهم. وفي افلام «هالاوين» التي وصل عددها حتى الآن إلى 8، ينقلب العيد الى مناسبة لأعمال القتل والتبشيع بالجثث والرعب.

العقاد هو المنتج المنفذ الوحيد الذي شارك في جميع افلام «هالاوين» التي بدأ انتاجها عام 1978 واستمر حتى عام 2002.

بدأت شهرة العقاد العالمية عام 1976 لما أخرج فيلم «الرسالة»، وهو أول فيلم عربي عالمي عن رسالة الإسلام، يُتوجه به إلى الجمهور الغربي، ويَعرض السيرة النبوية للرسول ـ صلى الله عليه وسلم. وصدر «الرسالة» بنسختيه؛ العربية والإنجليزية، وأدى دور البطولة (دور حمزة بن عبد المطلب) في النسخة العربية، الممثل المصري الراحل عبد الله غيث. وأدت الممثلة السورية منى واصف دور هند زوجة أبي سفيان بن حرب. كما أخرج العقاد فيلم «أسد الصحراء.. عمر المختار» بالإنجليزية، وتناول فيه بطولة الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي تحت قيادة القائد عمر المختار الذي ينتهي الفيلم بإعدامه.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)