رغم سواد الصورة التي تطل علينا من الغرب حاملة الكثير مما يُؤلم ويُدمي كوننا نقع تحت سيف الظلم مرات ومرات، ونصرخ دون مجيب بأن كل المعايير والمفاهيم مقلوبة معوجة غير مفهومة .. ورغم إعطاء الصهيونية "حقاً" غير شرعي باغتصاب حقنا الشرعي بذرائع مضحكة سخيفة لا تكاد تقف على قدميها .. رغم كل ذلك نجد أحياناً ضوءاً يزرع شيئاً من الأمل في قلبنا بأن منطق الإنسانية هو الذي يتغلب في النهاية، وأن كل المحاولات تفشل وتسقط أمام الصورة الإنسانية التي تظهر بكل جمالها وبهائها محاولة أن تكسر شيئاً من حدة السواد..

الخبر الذي نُشر مؤخراً يجعلنا نقف بكل تقدير أمام روعة العاطفة الإنسانية الخالصة، حيث قامت السيدة البريطانية (آنا ويكس) ـ 32 عاماً ـ بترك حفل زفافها والتوجه مباشرة إلى فلسطيننا للتبرع بكليتها للطفلة الفلسطينية لينا طعمة ـ 3 سنوات ـ التي تُعاني من فشل كلوي .. وصدف أنّ موعد إجراء العملية كان في الوقت الذي سيُقام فيه حفل زفاف (آنا)، فكان انحياز (آنا) إلى التوجه مباشرة للمستشفى حيث أُجريت العملية بنجاح، وقام العريس (منديس) بالسفر إلى الضفة الغربية لمرافقة عروسه بعد نجاح هذه العملية ..

(آنا ويكس) كانت قد زارت الضفة الغربية مرات للتظاهر ضد جدار الفصل العنصري.. ومن خلال إيمانها الشديد بحق شعب فلسطين في العيش فوق أرضه المحررة فقد كان طبيعياً بالنسبة لها أن تترك حفل زفافها وشهر عسلها لتتبرع بكليتها لطفلة فلسطينية .. إنها الإنسانية التي تعلمنا كيف يستطيع الضوء أن يُبدد شيئاً من العتمة والظلمة في كثير من الأحيان ..

والجميل أن يكون (منديس) سعيداً بما قامت به (آنا) وأن يتبعها إلى فلسطين معبراً عن سروره وسعادته .. فالعطاء هبة قد تمسح بنورها الكثير من الغبش الذي يتركه الآخرون ..

من ينظر إلى وجه الطفلة لينا طعمة ابنة الصحفي الفلسطيني فريد طعمة، يشعر بكل فيض البراءة والجمال، مما يجعلنا نتوجه بتحية كبيرة لتلك السيدة البريطانية الرائعة (آنا ويكس)، هذه السيدة التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني ومهرت موقفها بالفعل والعمل من خلال التظاهرات التي شاركت بها ضد سياسة الاحتلال الهوجاء، وبمنحها كليتها لطفلة فلسطينية ستكبر وهي تحمل في جسدها ذكرى من إنسانة مسكونة بالضوء والنور والعطاء الجميل اسمها (آنا ويكس)، إنسانة تمنح وجهاً جميلاً لغدٍ مشرق ..

(آنا ويكس) شخصية مفردة، لكنها تستطيع أن تجعلنا نفكر طويلاً بأن الشعوب لا يُمكن أن تكون كلها مندفعة باتجاه واحد .. وأن السواد مهما اشتد وكثُرت الجراح جراءه يمكن أن يتبدد الكثير منه حين ينبع ضوء خافت يقول كلمة الحق .. ولنا أن نعي أنّ اسم (آنا ويكس) لا يُمكن أن يُمحى من الذاكرة الفلسطينية مع مرور السنوات لأنها الإنسانة التي وقفت معنا وأعطت طفلة من شعبنا حياة من حياتها .. ومنطق الشعوب يقول إن مثل هذه المواقف لا يُمكن أن تُنسى بأي حال من الأحوال .. شكراً (آنا ويكس) وتحية لك من شعب فلسطين الذي أحبك كما أحببته ..