أبعد من اللغة الاستفزازية ومجموعة الشتائم والتهديدات التي وزعها الرئيس السوري بشار الاسد، بدا خطابه تجميعاً لعدد من الافكار التي سبق ان قرأناها في صحافة النظام السوري من "تشرين" و"البعث" و"الثورة"، وكان في مبناه استعادة طويلة لتصريحات ممثلي النظام على الفضائيات العربية بفارق جوهري ان من تحدث كان رئيساً للجمهورية. وفي المبدأ امكن اول من امس وفي شكل نهائي فهم مصدر اداء وزير الخارجية فاروق الشرع في المحافل الدولية وامام كاميرات الاعلام الخارجي: انه النظام نفسه يستحضر ما عنده تكراراً من دون اضافات تذكر.

وبصرف النظر عن البحث في تفاصيل ما قاله الاسد، يبرز في خطابه الضعيف المضمون انه يندرج في اطار حشر القراءات في قراءة واحدة لكل ما يحصل، والعودة الى خطاب "لا صوت يعلو صوت المعركة" المصاحب لتاريخ كل الانظمة الديكتاتورية العربية التي قامت على شعار غسل عار الهزيمة واستعادة الحقوق، فاستعبدت حاضر ملايين العرب ومستقبلهم، ولم تنس ان تصادر تاريخهم الحقيقي. في البدء كان النظام وفي النهاية لا يبقى سوى النظام. ان نخسر الارض خير من ان نخسر النظام. بعض الارض قابل للتعويض بمثيله، اما النظام فلا شيء يعوضه. هذا هو منطق القول بالخيار بين "نقتل انفسنا او نُقتل" الذي عرض له الرئيس الاسد.

اذاً لا جديد في المعنى العميق لما قدمه الاسد. ولكن رغم القراءات السلبية في معظمها التي تراه بمثابة اعلان للحرب، يمكن القول ان الصورة الحقيقية قد لا تكون مطابقة للظاهر فيه لاسباب عدة:

1 ان الاسد لم يقل مرة خلال الخطاب انه لن يتعاون. بل اكثر من ذلك قال ما معناه انه سيماشيهم (لجنة التحقيق الدولية) الى الآخر وان يكن مقتنعاً بأن المسألة لن تتوقف عند هذا الحد.

2 لم يقل الاسد، لا صراحة ولا مداورة، انه لن يسلم الضباط الستة الى الاستجواب وفق شروط لجنة التحقيق الدولية، في المكان الذي حددته. وما عرض شريط "المفاوضات" والمراسلات بين اللجنة التي ألفها النظام السوري في سعي متأخر الى العرقلة ولجنة التحقيق الدولية من دون القول انه يرفض اخراج المطلوبين للتحقيق من سوريا الا دليل على ما تقدم: ان الاسد سينفذ مطالب اللجنة الدولية.

3 لم يكن منتظراً ان يقول الأسد ان سوريا ضالعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الارهابية. واما تأكيده ان لا افراد سوريين ضالعين فيها فهو رد فعل على رفض عروض كان قد قدمها لبعض العواصم العربية تتضمن قبول الكثير مما يطلبه الاميركيون والعرب على السواء. هذا الموقف يعجّل التطورات السلبية ولا يؤخرها ابداً. فإعلانه انه بات متأكداً من ان لا متورطين، نتيجته العملية اراحة المطلوبين انفسهم الى ان رئيسهم لم يلق بهم من النافذة.

لهذه الاسباب نقول ان الاهم من التوقف عند القالب الشتيمي للخطاب الذي لا نستغربه ابداً هو النتائج العملية. لقد ابقى بشار الاسد النافذة مشقوقة للتعاون وتجنب مواجهة مع المجتمع الدولي يعرف انها خاسرة سلفاً. اما الديماغوجية البعثية الممضوغة التي حفل بها الخطاب فقد تكون الى جانب تفجر المرارة لخسارة "مستعمرة" لبنان ضرباً من ضروب التعمية والتغطية على شيء آخر.

يبقى المهم والأهم ان يتعاون الاسد في الأفعال. والعبرة في المقبل من الايام!

مصادر
النهار (لبنان)