كل عواطف العرب كانت بالأمس مع الرئيس السوري بشار الأسد، بمن فيهم أولئك المعارضون السوريون واللبنانيون الذين اكتووا بنار الاضطهاد السياسي ولسعات القمع الاستخباري. وهو تعاطف اجتاح كل الجبهات: الشخصية، كما القومية، كما الاستراتيجية.

فإعلان الأسد أنه “لن يكون الرئيس الذي سيخفض رأسه أو رأس شعبه او وطنه” وأن الخيار الآن “هو بين المقاومة والفوضى”، أعاد إلى أذهان الكثيرين ذكريات شعار الكرامة الناصري الشهير “ارفع رأسك يا أخي، فقد زال عهد الذل”.

وتشديده على الهوية العربية والقومية العربية ليس فقط في العراق وباقي المنطقة، بل أيضاً في سوريا نفسها، دغدغ بقوة مشاعر كل المواطنين العرب الذي يرتعدون خوفاً الآن من الزحف غير المقدس للهوية الشرق اوسطية ومتفرعاتها الإثنية والطائفية والمذهبية المدمرة.

وأخيراً، إشارته إلى وجود مؤامرة امريكية تسهم أصابع “إسرائيلية” في تنفيذها في المشرق العربي، أعاد الأمور إلى نصابها قليلاً في ما يتعلق بطبيعة الصراع الراهن.

لكن الآن، وبعد قول شيء عن هذه الانتفاضة الأسدية المفاجئة التي رفعت بعضاً من المعنويات إلى عنان السماء، سيكون لزاماً علينا النزول سريعاً إلى الأرض لنتساءل:

هل هذا التصعيد النظري سيترجم نفسه ممارسات سياسية ملموسة تبدأ حقاً من نهج المقاومة لتنتهي به، أم أنه مجرد رقص على حافة الهاوية لمحاولة منع الأمريكيين من مواصلة دفع النظام السوري إلى الهاوية؟ “فاينانشال تايمز”، على سبيل المثال، تذكرت قبل يومين بأن الرئيس السوري أدلى بخطاب تصعيدي مماثل في مارس/ آذار الماضي، لكنه بعد ذلك رضخ للضغط الدولي وانسحب بالكامل من لبنان.

في حال كان قرار المقاومة جدّياً وحقيقياً، هل ستبقى النخب السورية العسكرية والسياسية موحّدة حوله بصفته حقاً الخيار الوحيد المنجي من ضلال الفوضى، أم أنها سترى في التضحية بالطاقم الحاكم الراهن خياراً أفضل لإخراج سوريا من ورطتها الدولية والاقليمية الراهنة؟ ثم: ماذا عن المجتمع المدني السوري؟ هل سيندرج هو الآخر في خيار المقاومة، برغم أن الأسد لم يعد في خطابه بأية إصلاحات داخلية حقيقية من شأنها إشراك هذا المجتمع في القرارات السياسية والتاريخية المصيرية؟

وأخيراً، هل سوريا ستكون قادرة على مواجهة الضغوط الدولية والاقليمية الجديدة الهائلة المتوقعة، خاصة حيال التعاون مع تحقيقات ميليس، والتي قد لن تنجدها فيها هذه المرة روسيا والصين؟

أنصار دمشق في لبنان يردون على كل هذه الأسئلة بنفحة تفاؤل: أجل. النظام سيقاوم لأن البديل الوحيد المطروح أمامه هو “إما قتل نفسه أو التعرّض للقتل” (كما قال الأسد). والشعب سيقف معه لان وطنيته السورية مستنفرة، ولأنه خائف من الوقوع في جحيم “الفوضى الخلاقة” العراقية.

حسناً، ربما حدث ذلك. بيد أن النجاح به يجب أن ينتظر أمرين: الاول، طبيعة الخطوات العملية التي سيتخذها النظام السوري، خاصة حيال قرارات مجلس الامن ولجنة التحقيق الدولية. والثاني، طبيعة التفاعلات التي ستحدث داخل النظام حيال خيار المقاومة وإمكاناته ومستلزماته.

ومع ذلك، وخلال مرحلة الانتظار المقلقة هذه، ستبقى العواطف العربية المشبوبة التي نجح الأسد في تحريكها، مستثارة.. حتى إشعار آخر.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)