رد الفعل الاميركي الرسمي على الخطاب الذي القاه الرئيس السوري بشار الاسد في جامعة دمشق الاسبوع الماضي معروف. فقد عبر عنه الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس اكثر من مرة. ومعروف ايضا انه كان سلبيا بل بالغ السلبية الامر الذي دفع كثيرين في لبنان سواء من الذين لا يؤيدون سوريا او الذين لا يزالون يؤيدونها او من يريدون تكريس خروجها من لبنان بعلاقة سليمة وندية ومتكافئة الى الاقتناع بان الترجمة العملية للسلبية المذكورة لم تعد بعيدة وخصوصا اذا ثبت بالدليل القاطع عدم تعاون السلطة السورية مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

الا ان ذلك على اهميته لا يكفي لان الموقف الاميركي الرسمي من هذا الموضوع كما من موضوعات اخرى يجب الا يحجب المواقف الاخرى منها التي قد تكون تتجاذب الادارة في واشنطن ولاسيما في ظل معرفة متابعي سياساتها عن كثب بان مواقفها النهائية تتكون من حصيلة مواقف متعاطين عدة للشأن العام الاميركي من داخل الادارة وخارجها وان المواقف المعلنة قد لا تعبر تماما عن الاهداف الفعلية.

انطلاقا من ذلك استطلعنا آراء اثنين من متعاطي الشأن العام في اميركا. الاول، له تجربة عميقة، لا تزال مستمرة مع الشرق الاوسط وقضاياه. والاخر، كانت له تجربة عميقة ومباشرة مع سوريا استمرت قرابة اربعة عشر عاما. ماذا قال الاثنان؟

قال الاول انه ليس متأكدا من كون الرئيس بشار الاسد ايديولوجيا. "لكن اذا كانت له ايديولوجيا معينة فهي ليست الا الوطنية السورية او القومية السورية". وقال ايضا "ان ورقة القومية او الوطنية هي الوحيدة التي يستطيع ان يلعبها لمواجهة ما يعتقد انه هجمة شرسة ينفذها ضده الاميركيون والاسرائيليون وقسم من اللبنانيين فضلا عن بعض العرب. وورقة كهذه هي بكل صراحة جيدة جدا للعب والاستعمال". وبرر ذلك باسباب عدة "اولها ان السوريين وفي مقدمهم الذين يعتبرون نظام الاسد فاسداً او غير كفي يرفضون ان تقع بلادهم "ضحية" المجتمع الدولي. وثانيها انهم يشعرون بمرارة وامتعاض من الضجة الكبيرة التي يسمعونها في لبنان". واضاف "حتى الشرفاء والمحترمون من السوريين لا يريدون ان "تتجرجر" بلادهم وان تغرق في عملية البحث عن الحقيقة في عملية اغتيال الحريري ويشعرون بالحيرة من الامتعاض المستمر للبنانيين من الشعب السوري. ذلك ان سوريا من وجهة نظرهم انقذت لبنان بكل بساطة من ابنائه وهي الآن تواجه بنكران الجميل. انا هنا اتحدث – اضاف متعاطي الشأن العام الاميركي الاول – عن السوريين الشرفاء والمحترمين وليس عن النظام في بلادهم او عن العائلة الحاكمة لهم منذ عقود واللذين يوجد شبه اجماع سوري وخارجي على فسادهما. لذلك فان لورقة القومية او الوطنية السورية التي يلعبها الاسد قيمة سياسية مهمة داخل سوريا".

انطلاقا من ذلك قال المتعاطي الاول نفسه "ان الغرب عموما واحب ان اضع لبنان في خانة هذا الغرب يحتاج الى التركيز على المجرمين وليس على رهائنهم الذين يشكلون غالبية الشعب السوري. وقد يكون مفيداً جدا بل مثيرا للاعجاب اذا ميز الرئيس جورج بوش في مواقفه بين الشعب السوري الذي يكن له كل ود واحترام واذا اكد انه لن يستهدفه بعقوبات هو الذي لا ذنب له بل لا مسؤولية عن كل سياسات النظام في دمشق بل سيحصر ذلك بافراد من داخل النظام او بنخبته التي احترفت الكثير من الممارسات السيئة حيال الشعب السوري وشعوب اخرى واذا اشار في وضوح الى انه ينتظر اليوم الذي يستطيع فيه ان يقوم بدور مساعد لاقامة سلم بين سوريا واسرائيل". وقد يكون مساعدا ايضا تابع المتعاطي الاول اياه "أن يبادر رئيس الحكومة اللبنانية بما يجب ممارسة وقولا لخفض مستوى المواجهة اللبنانية لسوريا. ذلك ان الهدف الاساسي هو او يجب ان يكون عزل "المجرمين" عن القاعدة الشعبية".

في النهاية ختم المتعاطي الاول : "انا اوافق كل الذين يعتبرون ان لبنان يعيش اوقاتا صعبة ومعه سوريا والمنطقة. لكنني لا اتوقع ان يذهب نظام الاسد بهدوء او طوعا. ولا اتمنى ان تصب اعمال الاميركيين او اللبنانيين ومواقفهم في مصلحته او في مصلحة "النخبة" المتسلطة داخله. في اختصار انا لا اكره سوريا والسوريين بل احبهم. ولذلك اعتقد انهم يستحقون افضل ما لديهم الآن وخصوصا على صعيد الحكم واسلوب الحكم. وآمل ان يحصلوا على هذا الافضل".

اما المتعاطي الاميركي الثاني للشأن العام في بلاده والخبير العتيق في سوريا وفي علاقتها مع اميركا فقال عن الخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الاسد: "قرأته بامعان وانطباعي الاول هو ان "حليمة عادت الى عادتها القديمة" كما يقول المثل في بلادكم. لكن جهات متنوعة في الادارة في واشنطن تريد ان تعتقد ان الرئيس السوري كان في حاجة الى شيء من حفظ ماء الوجه قبل الانحناء امام العاصفة والتعاون على نحو كامل مع لجنة ميليس والولايات المتحدة والمجتمع الدولي فكان هذا الخطاب. وفي اي حال نحن لسنا متأكدين من اي شيء يمكن ان يتعلق بمستقبله او بمستقبل نظامه فالجميع وفي مقدمهم واشنطن وباريس ولندن والسعودية ومصر، لا يمانعون في استمرار النظام السوري. ولا احد منهم يريد تغييره بل ان سعيهم يتركز على ضرورة حصول حملة تطهير داخله. اذا سارت الامور على هذا النحو عال. واذا لم تسر فإن كل الاحتمالات تصبح واردة". واضاف "ان ما قاله حول رئيس حكومة لبنان فؤاد السنيورة غير مقبول والادارة الاميركية تدعمه وستقف بجانبه ومعها كل اطراف المجتمع الدولي".

ما هي الاحتمالات التي "ستصبح واردة" اذا لم يتعاون النظام السوري في كل القضايا المطلوبة منه دوليا؟

مصادر
النهار (لبنان)