في خطابه الذي ألقاه بمناسبة الذكرى السنوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى دعا الرئيس الأميركي جورج بوش سوريا إلى وقف ما أسماه تصدير العنف إلى دول الجوار خاصة العراق واستيراد الديمقراطية،

ولم يكتف بذلك بل إنه جمع بين أمرين متناقضين، إذ ربط بين اعتقال الدكتور كمال اللبواني الذي كان قد زار أميركا مؤخرا للترويج لمشروع أو خطة تغيير النظام مع ادارة بوش وخطاب الرئيس بشار الأسد الذي تحدث فيه عن مواقف مهمة في سياق التطورات الاقليمية والدولية الراهنة، ولكن الرئيس الأميركي لم يجد في خطاب الرئيس الأسد سوى أنه وجه تهديدات إلى لبنان لزعزعة الاستقرار في هذا البلد وكأنه عبر بذلك عن نظرة أو قراءة أميركية أحادية لما ورد في الخطاب.

واللافت في خطاب الرئيس بوش أنه ارتقى إلى مستوى اطلاق التهديدات ضد سوريا عندما قال بالحرف: «على الحكومة السورية ان توقف تصدير العنف إلى العراق وان تقوم باستيراد الديمقراطية» فمن الواضح ان هذه اللغة لغة املاءات وفرض شروط، فبدلا من ان يدعو الرئيس الأميركي إلى حوار جاد بين ادارته والقيادة السورية، فهو تحدث بلغة الاملاءات إذ ان المطلوب من الحكومة السورية ان تفعل كذا وكذا وألا تعترض على هذه المطالب وإلا فإنها ستعرض نفسها لمخاطر الحصار والعزل وربما لعمل العسكري.

وهذه اللغة التي استخدمها الرئيس بوش هي لغة استعمارية أكل عليها الزمان وشرب ذلك ان الولايات المتحدة وبالرغم من أنها القوة العظمى الكبرى في العالم فهي لا تستطيع ان تفرض املاءاتها وشروطها على كل الدول والشعوب لأن الأمر ينطوي على مواجهة تاريخية وهو ما يسعى إليه الرئيس الأميركي.

ولا حاجة للتأكيد على ان غطرسة القوة الغاشمة ليست هي العنصر الحاسم في هذه المواجهة فالولايات المتحدة بما تمتلكه من أسلحة دمار فتاكة وحاملات طائرات وصواريخ عابرة تستطيع ان تدمر أجزاء كبيرة من سوريا في غضون أيام بل ساعات ولكنها غير قادرة على مصادرة ارادة الشعب السوري الذي يرفض لغة الاهانة والوصاية ويصر على ان يكون حرا وسيدا مستقلا.

وعودة الرئيس بوش إلى لهجة التصعيد ولغة الاملاءات وفرض الشروط هي تعبير عن الضعف وليس القوة بالنظر إلى المأزق الكبير الذي يواجه الاحتلال الأميركي في العراق، فالولايات المتحدة تبدو عاجزة عن وقف عمليات المقاومة العراقية ولهذا السبب فهي تلقي بالمسؤولية على دول الجوار مثل سوريا وإيران.

وعندما يحذر الرئيس الأسد من ان أي ضرر ولو كان صغيرا سيلحق بسوريا فإنه سيصيب دولا أبعد في الشرق الأوسط فهو يوجه رسالة مزدوجة إلى الادارة الأميركية والشعوب العربية من ان وقت المواجهة في المنطقة قد بدأ بالفعل.