يبدو ان سوريا اذا لم تحكم لبنان من داخله كما فعلت على مدى ثلاثين سنة، فانها تصر على ان تحكمه من سوريا بعدما ارغمت على سحب قواتها من اراضيه خلافا لما تشتهيه، اذ انها كانت تخطط لابقاء قواتها في لبنان إلى أجل غير معروف بحيث تصبح جزءا من سوريا ومن نظامها، ويتحول الشعبان اللبناني والسوري من شعب واحد في دولتين، الى دولة واحدة...

هذا ما يقوله مرجع ديني وهو يعرض سلسلة الاحداث وتقلب العلاقات بين لبنان وسوريا في مختلف العهود والظروف.

ويضيف ان سوريا المستاءة جدا من سحب قواتها من لبنان، تسعى الى معاقبة كل من عمل او شارك في ذلك وهم زعماء 14 آذار ولا سيما قوى "تيار المستقبل" وعلى رأسه النائب سعد الحريري وقوى "اللقاء الديموقراطي"، وعلى رأسه النائب وليد جنبلاط لأنه لا يجوز لها ما يجوز لغيرها، فسوريا عاتبة كثيرا على هذه القوى لأنها كانت من حلفائها ثم انقلبت عليها فوصفتها بأنها "ناكرة الجميل"... بعدما قدمت ولاءها للبنان على ولائها لسوريا، وسيادة لبنان واستقلاله وحرية قراره، على الوصاية السورية حتى وان كان البعض منها عمل بالقول المأثور: "انا وخيي على ابن عمي وانا وابن عمي عا الغريب".

وتساءل المرجع نفسه هل من شعب في اي دولة في العالم يكون ولاؤه لغير وطنه مهما شعر بالحيف والظلم؟ وهل يعقل ان يكون حزب في فرنسا مثلا او نكاية بالحزب الحاكم او لخلاف معه ان يستقوي او يستنجد بالمانيا على بلاده، وان يكون حزب في ايطاليا او في بريطانيا، بدافع خلافات سياسية داخلية، مع فرنسا او اميركا ضد دولته؟

لقد اكد الرئيس الاسد اكثر من مرة في احاديث وتصريحات له انه لا يتدخل في شؤون لبنان الداخلية واعترف بأخطاء حصلت في لبنان ابان حقبة الوصاية السورية، وقوله ان سوريا بريئة مئة في المئة من جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وان التعاون سيكون تاما ومطلقا مع لجنة التحقيق الدولية كي تعرف الحقيقة، واذ بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية لم يعد في الخفاء بل في العلن وذلك بتحريض سياسيين لبنانيين حلفاء لها على خلق الارباكات والمشاكل للحكومة كون الاكثرية فيها من المغضوب عليها ومتهمة بالعمل على نقل لبنان من الوصاية السورية الى الوصاية الدولية، ودعوة بعض وسائل الاعلام السورية الى التظاهر ضد الحكومة لاسقاطها "غيرة" منها على حقوق الشعب اللبناني واحتجاجا على ارتفاع سعر المازوت مع العلم انه لو لم يهدر المال العام في ظل الوصاية السورية بمليارات الدولارات، لما كان الشعب اللبناني يعاني من ازمات معيشية، ولا من عبء الدين العام. ولتأكيد براءة سوريا من دم الحريري لم تطلق يد لجنة التحقيق الدولية كي تحقق مع من تشاء وانى تشاء، متذرعة بالسيادة الوطنية لايجاد خلاف على المكان الملائم لاجراء التحقيق، وكأن المكان هو الذي يحوّل البريء الى متهم، والمتهم الى بريء، في حين ان لجنة التحقيق خرقت حرمة القصر الجمهوري في بعبدا واستمعت الى الرئيس لحود على مدى ست ساعات للادلاء بما لديه من معلومات حول الجريمة.

لقد جرت اعمال تفجير واغتيال بهدف خلق فوضى وفتنة في البلاد، فحال تضامن اللبنانيين وتماسكهم وفهمهم دون تحقيق مرامي هذه الاعمال، ولم تحصل احداث فوضى وفتنة. ثم صار تحريك لبعض الفصائل الفلسطينية المتشددة وعرض مواقعهم العسكرية على شاشات التلفزيون لتخويف اللبنانيين مبررة ذلك بالقول انه لتأمين العودة ورفض التوطين... وليس لهز الامن والاستقرار في لبنان. وعندما امكن التوصل الى ضبط التحرك الفلسطيني المسلح وتدخلت السلطة الفلسطينية مذكرة الفلسطينيين بأنهم ضيوف على لبنان وليسوا رب المنزل وان عليهم الخضوع للقانون، صار التحول للضغط على الحكومة وارباكها سياسيا وشعبيا، وذلك بتهديد "التحالف الشيعي" بسحب وزرائه اذا لم تستجب مطالبه السياسية الامنية والمعيشية، وكانت مادة المازوت هي المادة الملتهبة لحرق الحكومة واسقاطها انتقاما من بعض نهجها السياسي غير المرغوب فيه، ان لم يكن "المشبوه"، لكن ما جعل التردد في اسقاطها هي حسابات قد ينقلب معها السحر على الساحر، فيؤدي ذلك الى ازمة حكم تطيح الرئيس لحود وهو الحليف الذي لا بد من المحافظة على بقائه بأي ثمن، ولئلا يأتي من يخلفه ليكمل ما تبقى من اهداف 14 آذار وتكتمل به عناصر قيام السلطة البديلة بكل مؤسساتها.

الى ذلك يتوقع بعض المراقبين ان يكتفي التحالف الشيعي بممارسة لعبة "القط والفأر" داخل الحكومة ويجعل من تهديده كل مرة، بسحب وزرائه وسيلة ضغط وابتزاز لامرار ما يريد من مطالب، ووضع الحكومة بين خيارين: اما استجابة المطالب واما مواجهة السقوط، والعمل من جهة اخرى على اعادة جمع قوى 8 آذار لمواجهة قوى 14 آذار.

اضف ان من يعمل على اسقاط الحكومة سوف يتحمل مسؤولية ليس تأزيم الاوضاع السياسية وربما الامنية فحسب، بل تردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في البلاد وذلك بتعطيل فرص انعقاد مؤتمر الدول المانحة في بيروت الذي تعول عليه الهيئات الاقتصادية كثيرا وتعلق عليه الآمال الكبيرة من اجل النهوض بلبنان في كل المجالات والمساعدة على اطفاء الدين العام، تجنبا لدفع البلاد نحو الكارثة".

الواقع، ان حكومة فؤاد السنيورة تواجه من سوريا ما واجهته حكومة شفيق الوزان في عهد الرئيس الياس سركيس، بسبب الموقف من الوجود العسكري السوري في لبنان. فحكومة السنيورة تواجه نقمة سوريا لأنها تضم اكثرية وزارية كانت مع انهاء هذا الوجود وتنتهج العمل على اخضاعها او اسقاطها. وحكومة الوزان تجرأت يومها ووضعت جدولا زمنيا بانسحاب القوات السورية عرضته على مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد في بيت الدين، فكان ذلك مفاجأة لوزير خارجية سوريا يومذاك عبد الحليم خدام الذي سأل الرئيس الوزان بحدة اذا كان بموافقته على هذا الجدول يعبر عن ارادة من يمثل.

وبعد هذا المؤتمر ، بدأت محاولة اسقاط حكومة الوزان لكن هذه المحاولة اصطدمت برفض قاطع من الرئيس سركيس، الحريص على بقاء الحكومة والتضامن مع الرئيس الوزان في موقفه الوطني. فأبلغ العاملين على اسقاطها انه سيعيد تكليف الوزان تشكيل حكومة جديدة (الدستور كان يعطي هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية قبل دستور الطائف) وان الحكومة ستظل تقوم بتصريف الاعمال الى ان يتم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الوزان، وكانت النتيجة ان شفيق الوزان، رحمه الله، هو الذي دفع الثمن السياسي فيما بعد، فحيل دون عودته رئيسا لأي حكومة ولا ان يعود وزيرا ولا نائبا حتى ولا السماح بدعوته لحضور "اللقاء الاسلامي" مع انه يعتبر حكما عضوا فيه كرئيس سابق للحكومة. فهل يواجه السنيورة ما واجهه الوزان ام ان الزمن الاول تحوَّل.

مصادر
النهار (لبنان)