في العام 1905 اي قبل قرن بالتمام والكمال كانت فرنسا تقر القانون الذي يطلق عليه اسم قانون المصالحة ومنذها حتى هذا اليوم ظل هذا القانون الضمانة الوحيدة للسلم الاهلي في البلاد التي شهدت ملكة تقتل ابنها بالاتفاق مع الكاردينال الذي يدير الدولة لحسابها . حيث لم لم تكن قسوة ، بل واجرام ماري دو مديسيس الكاثوليكية ازاء ابنها البروتستانتي لخوف الابنة البكر للكنيسة من ان تجتاح رياح الثورة البروتستانتية صرح الكثلكة ونفوذها المهيمن ، لكن تبني العلمانية الذي اخرج اوروبا من نفق الحروب الدينية التي اشعلت حرائقها لاكثر من نصف قرن لم يحل دون دخول القارة الحربين العالميتين البربريتين اللتين كلفتا العالم خمسين مليون قتيل ، ولم يكن ذلك الصراع الجديد ، في عمقه السوسيولوجي ، الا نتيجة العقلية العنصرية العرقية التي تمنح نفسها حق الانفصال او التوسع باسم العرق الاتني .

مقارنة بسيطة ونجد اننا نحن في العالم العربي ، والعراق نموذجا ، نعيش شكلي الصراع في ان واحد : الاتني والطائفي ، واذا ما خرجنا من العراق وجدنا الاول جاهزا في المغرب العربي والثاني حاضرا في مصر ولبنان والخليج ، حتى اذا وصلنا السودان عادا فاجتمعا معا كما هو الامر في سوريا .

واذا كان من الغني عن القول بان ذلك ارث تاريخي مرير بل ونار عمل المستعمر القديم والجديد على اشعالها وتاجيجها وعدم السماح للاطفائيين باخمادها والعودة الى الوضع الصحي الطبيعي ، كي تظل جاهزة لخدمة جميع المخططات التي لها مصلحة في تدميرنا ، فانه من البديهي القول ان اصلاح هذا الواقع المرير لا يتم عبر مؤتمر احتفالي تحتضنه الجامعة العربية في القاهرة لتبويس اللحى والقول بان كل ما حصل هناك يمكن مسحه بمنديل رهيف وبعض خطب لا يحس اصحابها بمعنى كلماتها لانها خالية من اي صدق ومن اية حرية فكيف نخرج من صراع اذا لم نخرج من اسبابه ؟ كيف نقبل بدستور طائفي واتني ، ثم ندعو الى المصالحة على الاساس نفسه ؟ كيف نسوق هذا الشرخ القاتل في المنطقة كلها جاعلين منه سلسلة قنابل موقوتة مزروعة في كل ارض عربية ، ثم تدعو جامعة الدول العربية الى مؤتمر على اساسه ؟ مؤتمر لن يكون من شانه الا تثبيت القنابل والابقاء على صاعقها بيد المستعمر الغربي والاسرائيلي .

مما يصوغ السؤال الاكبر: كيف تقام المصالحة في ظل احتلال ؟ فهل اقامت فرنسا الحرة مثلا مصالحة مع جماعة فيشي ؟ هل اقامت روسيا مصالحة قبل ستالينغراد ؟ هل اقامت فيتنام مصالحة قبل اقلاع الطائرات من على سطح السفارة الاميركية محملة بعملاء هذه الاخيرة ؟ هل اقام ماو تسي تونغ مصالحة مع الصين الاخرى التي سمت نفسها وطنية نكاية بالشعبية ، دون ان ينفعها الاسم في انتحال صفة الوطنية او ربح معركة التاريخ .؟

مصادر
الدستور (الأردن)