من المفارقات الظريفة في إسقاط قصة الأسد الشهيرة مع الثيران الثلاثة (أكلت يوم أكل الثور الابيض) على الواقع السياسي في المنطقة العربية بعد الأزمة السورية الأخيرة، ان أميركا التي فيها رعاة البقر (والثور جزء من القطيع) صارت هي الأسد، وسورية التي فيها (الأسد) صارت هي الثور المهدد بالأكل يوم أكل الثور العراقي الأبيض. والأيام دول (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، فمن يكن أسدا على (ثيران) غيره، لا بد أن يأتي يوم ليكون (ثورا) لأسود غيره، وكم من أسد بطش بسباع كثيرة فخنقه خيط دودة قز «حريري» رقيق رفيق..!

وحتى الأسد الأميركي المتبختر زهوا بقوته وجبروته وبلطجته، قد يكسر أنفه وكبرياءه أضعف الخلق، تماما مثل الفيل الذي لا تقوى عليه الأسود، ولكن ترعبه فأرة صغيرة، فالأسد الأميركي لم تجرؤ عليه السباع الأخرى وكان أكثرها تهديدا له في السبعينات النمر السيبيري الرابض في موسكو، ومع ذلك فالأسد الأميركي مرغت أنفه المتغطرس في تراب منهاتن مجموعة صغيرة من النمل البشري، امتطت صهوة طائرات أميركية، وقبل ذلك دربتها على الطيران أياد أميركية وصنعتها على عينها لتكون على أميركا عدوا وحزنا، هذا النمل الأعجوبة وجهتها (جرابيع) بسيطة من جحورها في جبال الهندكوش الأفغانية، لتنفذ مخططا دقيقا أذهل العالم كله.

ويكرر الأسد الأميركي خطأه مرة أخرى ليلتهم الثور العراقي القوي، الذي طالما نطح بقرونه القوية دول المنطقة ورفس بحافره شعبه الصابر، ولكن الأسد الأميركي هذه المرة يأتيه العذاب من حيث لا يحتسب، فها هو النمل العراقي الصغير يخرج من تحت الثور العراقي الذبيح، ليشكل مقاومة عنيفة تساندها مجموعات نمل من دول عربية أخرى ليتسلل الجميع خلسة إلى أذن الأسد الأميركي، فتشغله بالحك الدامي بل وتشغله أن يلتهم بقية ثيران المنطقة، أو بعبارة أدق تبطئ تحركاته لالتهام بقية القطيع.

قاتل الله أميركا التي أوقعتنا وأوقعت الأنظمة العربية وشعوبها في حرج بالغ، اختزله معارض عربي وصف الخيار بين الاحتلال الأجنبي أو الاستبداد الداخلي، بأنه كالاختيار «بين الكوليرا والطاعون»، وقاتل الله الاستبداد العربي الذي وصف كل رأي مخالف وكل محاولة سلمية حضارية للإصلاح بالخيانة والارتماء في أحضان الأعداء، وقاتل الله انهزامية الشعوب العربية التي انطلت عليها خدعة المستبدين، الذين جعلوا من ثوابت الوطنية السكوت عن جبروتهم وسطوتهم وفسادهم المالي والإداري.

هذه الانهزامية هي التي شجعت هؤلاء المستبدين لأن يتصرفوا بقدسية، جعلتهم لا يسألون عما يفعلون، ليقودوا أنظمتهم ومعها شعوبهم إلى مصير حالك السواد، وفي أغلب الأحوال إذا تراءت الفئتان سينكص هؤلاء المستبدون على أعقابهم وسيممون شطر العالم الغربي (الإمبريالي)، لينعموا هناك بثرواتهم التي جمعوها من ثوراتهم.

المستبدون مغفلون فهم يبحثون عن مساندة جماهيرهم لهم في اليوم الغلط يوم المحنة، وما أدركوا أن الجماهير التي لم تقف أنظمتها معها في يومها الأبيض ستتجاهلها في يومها الأسود. جهل المستبدون أن هذه الجماهير التي يستغيثون بها يوم الكريهة هي الجماهير التي جوعوها في أيام الرخاء، فأفقروها وأذلوها وامتحنوها ونهبوا ثرواتها واحتكروا مسؤولياتها، وأوصدوا دونها أبواب الحرية وأحكموا النوافذ من أن تلج منها نسائم الديمقراطية، وتسلطوا عليها فجعلوا أعزة أهلها أذلة، فأعدموا الألوف وكدسوا السجون بعشرات الألوف ومنذ عشرات السنين، فلم يعرف أهلوهم عنهم أمن الأحياء فيرجونهم أم من الأموات فيرثونهم ويصلون عليهم!!؟

العاقل من الدول العربية الأخرى من اتعظ بأكل الثيران الأخرى، وأعقل العقلاء من الأنظمة العربية من قطع على قوى الشر العالمية الطريق بمصالحة شعوبها، فتقضي على الفساد وتشركها في المسؤولية، وتفعّل برلماناتها ومؤسسات المجتمع المدني فيها، وتمنحها حرية معقولة وتغدق عليها من خيرات بلادها، صدقوني ان هذا هو المصل الواقي من الميكروبات الأميركية وللحديث بقية.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)