هل يمكن لسوريا أن توقف تصاعد الأزمة مع المجتمع الدولي حيال اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري، والتي يرأسها القاضي الألماني ديتليف ميليس؟ هذا هو السؤال الذي يقلق عواصم عربية عديدة هذه الأيام، الموقف السوري الرسمي لا يزال يصر على براءته من الضلوع في جريمة الاغتيال، وبالتالي لا بد من الافتراض بأن سوريا بريئة حتى تثبت إدانتها، ولا أرى مبررا بعد للإدانة الإعلامية المعادية لسوريا التي أدانتها قبل الإدانة الرسمية من قبل اللجنة الدولية، ومن ثم فإن المنطق يفترض ان تتعاون سوريا مع لجنة ميليس على اعتبار أنها بريئة، فإن كانت بريئةَ فلم التردد بالتعاون مع اللجنة وإنهاء هذا الملف وإغلاقه؟

المراقبون رأوا في خطاب الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد الأسبوع الماضي تصعيدا غير مبرر وحدة لا داعي لها، وخصوصا أن سوريا اعلنت عن استعدادها للتعاون، بينما رأى البعض أن الخطاب ذو نبرتين: نبرة للداخل وللاستهلاك المحلي، وأخرى للخارج غير مسموعة في ثنايا الخطاب بشكل مباشر.

بدأت التكهنات عن كيفية التعامل السوري مع الأزمة القادمة، واستذكر المراقبون مثلين قريبين: مثل تعامل القذافي في ليبيا مع أزمة لوكيربي، ومثل صدام حسين وما آلت إليه الأوضاع في العراق.

المثل الليبي ـ الذي يمكن أن نسميه مجازا «القذفنة» ـ فك الحصار عن ليبيا، وأنهى الأزمة مع المجتمع الدولي، وانتهاج هذا المثل سوريًا يصعب تطبيقه، فالقذافي سلم مواطنان ليبيان متهمان في الضلوع بتفجير طائرة البان آم المدنية، بينما المطلوب من الرئيس الأسد تسليم ستة مواطنين سوريين أمنيين هم عمليا يمثلون النظام، وبينهم أخ الرئيس وصهره. وهنا مكمن الصعوبة، أن انتهاج النموذج الليبي للخروج من الأزمة يعني تسليم النظام للنظام نفسه، وهذا يصعب أن يتم دون تقديم ضمانات بسلامة المطلوبين وتبرئتهم، وإمكانية تقديم ضمانات شبيهة لتلك التي أعطيت للقذافي صعبة إن لم تكن مستحيلة، فقرار مجلس الأمن الأخير 1636 صدر ضد سوريا تحديدا وبالإجماع، وهو شديد الوضوح ويحمل في طياته تهديدا مباشرا في حال عدم تعاونها مع لجنة التحقيق بالعقوبات والمقاطعة والعزلة وربما ما هو أخطر من ذلك بكثير.

أما المثال الآخر فهو مثال «الصدمنة» ـ نسبة إلى صدام حسين ـ حيث تمت المواجهة والصدام ونشبت حرب مارس في الصداميين «العلجنة» (نسبة إلى العلوج)، وانتهى النظام ومعه استقلال العراق باحتلالها.

المتابعون يرون بأن هناك تخوفا دوليا وإقليميا من تغيير النظام في سوريا، لأن تغيير النظام هناك يعني فوضى عارمة ستمتد من العراق وحتى لبنان، ولن يسلم منها الأردن أو دول الخليج، ولكن مخطئ من يظن في دمشق أن مثل هذا التخوف سوف يكون ورقة في يد سوريا، أو أنه سوف يكون مانعا لتدهور الأزمة، ذلك أن العقوبات الدولية وحدها كفيلة بإحداث أضرار كبيرة في سوريا التي تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية متعددة.

بعض المراقبين يرى أن في سوريا إرثا من الدهاء السياسي، ربما يجنبها المواجهة مع مجلس الأمن، بينما يرى آخرون أن الدهاء الذي أتقنته سوريا في الماضي كان يصاحبه أوراقا في يدها، وسوريا اليوم ليس في يدها أوراق كثيرة يمكن أن تناور بها للتعامل مع الضغوطات الدولية.

أبدعت أدبياتنا لغويا في خلق اسم جديد من الأزمات، فقلنا اللبننة، والأفغنة وحديثا نسمع بالعرقنة، وسمعت وقرأت عن القذفنة والليبنة، وأرجو ألا تتفاقم المواجهة الإيرانية ـ الدولية حول البرنامج النووي الإيراني كي لا نفكر في اختراع كلمة مشتقة من اسم إيران..!

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)