لا أعرف بأي تحية أبدأ ندائي هذا إلى الفاسدين في الوطن, فلو كان ثمة تحية تجوز عليهم, لما فسدوا وأمعنوا بالفساد, ولوفروا عليَّ وعلى غيري عناء الكتابة عنهم سابقاً, وإرسال ندائي إليهم اليوم.

لكن ما العمل, لم يبق لنا سوى استنهاض ضمائرهم, وهي ضمائر باتت مضطجعة على ريش النعام, مصطهجة بما آل إليه حال البلد من السخام. لكن عسى وعلَّ... من يدري؟!

ندائي, أشبه ما يكون برسالة, تبدأ ترويستها على الشكل الآتي: أيها الفاسدون. بعدها ندخل في صلب الموضوع مباشرة, إذ لا المجال يتسع ولا الوقت يسعف.وقبل أن أبدأ, عذراً للهجتي الخطابية الحماسية, صحيح أن أوانها فات, لكن أسبابها موجودة. والآن:
أيها الفاسدون:

اسمعوا وعوا, إن شعباً يريد الحياة لا يموت, فلتوقف الجنائز, مواكب التشييع ليست لنا. المواطن لم يمت بعد, المواطنة لا تزال تنبض في عروقه, رغم كل ما عاناه ويعانيه بفضل أياديكم السوداء. كفوا عن سرقة لقمة عيشنا, وخذوا استراحة كرمى لعين الوطن. في هذا الوقت الحرج, حسنة قليلة تدفع بلاوي كثيرة. أزيحوا ثقلكم عن صدورنا, بؤسنا لم يعد يحتمل النهب الداخلي والضغط الخارجي معاً.
استريحوا, خذوا غفوة, ناموا قليلاً, لا ندعو عليكم بنومة أهل الكهف, اطمئنوا لم نعد نستطيع العيش من دونكم, ولا الاستغناء عن خدماتكم, صغيرة كانت أم كبيرة, فأنتم الشر الذي لا بد منه, لبقاء مؤسساتنا العامة على قيد التشغيل, ومع ذلك نقول لكم أزمة بلدنا اليوم لا تحتمل نشاطكم الزائد, سواء في النهب أو التطنيش.

الخزينة بحاجة لكل قرش ابيض, فاتركوا لنا بعض القروش, ولو على سبيل الدين أو القرض اللاحق السلب, ولا تأمنوا كثيراً لحزمة القرارات الإسعافية لدعم صمود الليرة, فهي لم تتخذ لدعم سحب الأموال, والاتجار بالدولار, فكروا بالوطن مرة واحدة بشكل مجرد من الاحتفاليات المزيفة, بعيداً عن بازارات الشعارات الوطنية الزائفة؛ ليس بالشعارات وحدها تحيا الأوطان, ولا تُملئ البطون, لا تغني عن رغيف خبز ولا تدفئ فقيراً ولا نصف فقير, ولا تشغل منشأة صغيرة, ولا بائعاً على عربة تقتات منها أفواه كثيرة.
انظروا إلى الطوابير أمام محطات الوقود للحصول على ليتر مازوت في المناطق الحدودية, وبالتحديد محافظة حمص منطقة القصير. لا تتستروا بمكافحة التهريب, والالتزام بالتوزيع وفق البطاقات, لأنكم تعلمون كما يعلم المواطنون الأبرياء منهم, الغافلون عن حقوقهم, أن المخصصات تتسرب تحت رعايتكم وعنايتكم إلى المهربين أولاً, من رأس الكومة وعلى رؤوس الأشهاد, «عينك عينك» لتمضي إلى ما وراء الحدود, وما تبقى من قطرات ترشرش على كل ذي بال طويل يمضي ليله ونهاره بانتظار الدور, أو مشاكس عنيد مستعد لضرب من يقف في طريقه, او حتى قتله.

أيها الفاسدون المفسدون: اقبلوا نصيحتي مجاناً, وهي التي كانت تباع بجمل: كل ما فات مات, إذا كانت لقمتكم سابقاً ملفوفة بصمت المقهورين, فهي اليوم مغمسة بوجعنا السوري المُطالب بالصمود في وجه خزينا العربي, وغدرهم الدولي, فلا تقسوا علينا أكثر, ارحمونا, لا تكونوا انتم والزمن علينا, يكفينا ما ابتلينا به, ودعوا لنا ما ندافع به عن أنفسنا, في حمى هستيريا الهجوم الاميركي على بلادنا.

هل سمعتم عن رجل فقير لله, لا يملك سوى دراجة نارية يعتاش من تأجيرها, سحبه اللصوص من فراشه بعد منتصف الليل, وأردوه قتيلاً ليسلبوه دراجته التي لا يتجاوز ثمنها خمسين ألف ليرة سورية فقط لا غير! حصل عليها بعد عمر من التعتير. هل سمعتم عن حادثة كهذه تكررت أكثر من مرة خلال شهر واحد, وما زال الفاعل مجهولاً!! إذا لم تسمعوا, لا لوم عليكم, لأن إعلامنا يعنى بالقضايا المصيرية, ومنصرف كلياً لوضع استراتيجيات القرن الـ «ما بعد القادم», ولا وقت لديه لترف البحث في الراهن من شؤون المهمشين المشحرين, اللهم إلا إذا استدعى الأمر استخدامهم كومبارساً جماهيرياً مبتسماً لملء الكادر, لكي تطلع الصورة أحلى وأحلى.

وإذا قال قائل أن هذا الكلام ليس أوانه, ويهدد اللُحمة الوطنية, نغتنم الفرصة ونقول للفاسدين: انتبهوا وفرقوا بين اللُحمة واللَحمة, لأنكم تنهشون الاثنتين معاً دون تمييز, إذ في نهش اللُحمة ضياع للحمة, فلا يبقى بعدها لحمة تُؤكل ولا لُحمة لاحمة. وإن لم تشاؤوا الرفق بنا, نسوق عليكم سائر الأنبياء والأولياء الصالحين أن تأخذوا إجازة مفتوحة رفقاً بالوطن.

قبل أن نردد مع المعري قوله كأفضل شعار للمرحلة:

ظلم مستضعف وأخذ مكوس وحياة في عالم منكوس

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)