تقول مصادر ديبلوماسية ان القاضي الالماني ديتليف ميليس يسعى الى الحصول من المسؤولين السوريين على صفقة متكاملة لا تقتصر فقط على مكان استجواب الضباط الستة الذين طلب الاستماع اليهم، بل تشمل ايضاً جملة ضمانات رغم الصلاحيات الواسعة التي اعطاه اياها القرار 1636. ذلك انه في ظل عدم الثقة بدمشق ثمة اقتناع لدى كثيرين يشاطرون ميليس ان تذليل اي عقبة يمثل انتصاراً للسوريين سيفتح شهيتهم على مكاسب اخرى مما يضعفه في حال انكفأ او عاد الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان على ما حصل في الخلاف على مكان الاستجواب.

فهذا الامر غير متاح دائماً للمسؤولين الدوليين الذين لديهم اهتمامات اخرى فضلاً عن انه يحقق للسوريين فرصة كسب الوقت ما شاؤوا في اخذ ورد واتهام ميليس بأنه يرفض العروض المختلفة التي يقدمونها اليه على ما فعلوا اخيراً وقد انتقلوا من التكتم الشديد على كل ما يدور معهم الى اتهام المحقق الدولي بأنه يسرب الى وسائل الاعلام تفاصيل عن لقاءاته بما فيها تلك التي عقدها في دمشق. وعمدوا بحرص شديد منذ طلبه منهم استجواب مسؤوليهم الامنيين في المونتيفردي، الى قلب الادوار، اذا صحت نظريتهم عن تسريب ميليس معلومات الى الاعلام، علماً انه كان اشار في تقريره الاخير الى الامم المتحدة الى استيائه من تسريب مسؤولين لبنانيين كان يطلعهم على اجواء تطور التحقيق ما يعتبرونه خطوات تعاون مع التحقيق الدولي مع نية واضحة لرمي كرة رفض التعاون والاشتراك فيه عليه هو. وهو امر تقول مصادر ديبلوماسية نجح مع بعض الدول التي لها مصالح مع سوريا والتي تخشى على استقرار المنطقة اذ دعت الى اعطاء سوريا الفرصة للتعاون وقالت انها تتعاون وتقدم كل البدائل من ضمن امكاناتها ومفاهيمها للسيادة وبما يحفظ ماء الوجه.

وتعتقد مصادر قانونية ان من مصلحة سوريا ان تحصل الاستجوابات على اراضيها باعتبار انها تحصر بذلك من حيث المبدأ اعتقال او توقيف اي من مسؤوليها الامنيين في حال ورد مثل هذا الاحتمال باللجنة القضائية السورية التي اوكلت اليها اجراء التحقيق حول اغتيال الرئيس الحريري.

ويقول النائب السابق مخايل ضاهر انه بموجب القرار 1636 لا احد يملك صلاحية التوقيف بناء على تمن من لجنة التحقيق الدولية سوى طرفين هما القضاء اللبناني ممثلاً بالقاضي الياس عيد المكلف ملف الدعوى او القاضية السورية غادة مراد باعتبار انها مكلفة بدورها التحقيق في سوريا.

ورفض استجواب سوريا مسؤوليها في لبنان بحجة الخشية من زعزعة الاستقرار الداخلي وقيام تظاهرات وتظاهرات مضادة كما قال وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في البحرين اخيراً من اجل دعم وجهة نظر بلاده في رفضها حصول الاستجواب في المونتيفردي، يقود الى استنتاج برفض توقيف المسؤولين السوريين على يد القاضي اللبناني للاسباب نفسها، علماً ان عيد يستمر متمتعاً بهذه الصلاحية سواء استجوب هؤلاء المسؤولين في لبنان او تم الاتفاق على مكان آخر خارج لبنان لاستجوابهم على ان يتولى الانتربول الدولي توقيفهم لكن جنيف مثلاً او اي عاصمة اخرى لا يمكن ان تصدر مذكرة توقيف في حال حصل الاستجواب فيها.

وبالعودة الى ترجمة ذلك ديبلوماسياً فإن الموانع التي تحول دون ان يكون لبنان مركزاً للاستجواب، وتالياً للتوقيف نتيجة التهديدات الضمنية والضغوط التي يمكن ان تحصل على ما حصل في الايام العشرة الاخيرة وادت الى توتر الوضع اللبناني، علماً ان ثمة مطالبات لبنانية حتى الآن بعدم توقيف المسؤولين السوريين في لبنان نتيجة الخشية من الضغوط التي يمكن ان تلجأ اليها دمشق، سيحصر المسألة في يد اللجنة القضائية السورية التي قد لا تتجاوب مع تمني لجنة التحقيق الدولية لعدم اعتبارها ربما الاثباتات التي ستقدمها اللجنة الدولية كافية ومقنعة تتطلب التوقيف على ما يذهب البعض الآن في لبنان في الاعتراض على توقيف القادة الامنيين السابقين الاربعة، مما سيفتح باباً قانونياً للاخذ والرد ويؤدي الى جدل اكبر حول مكان الاستجواب وهذا يعرض مهمة ميليس للخطر.

لذلك تحرص المصادر الديبلوماسية على ترك الحرية الكاملة لميليس في اعتماد ما يراه مناسباً جازمة بأن لا تدخل فعلاً وفي اي شكل من الاشكال مع ميليس من اجل تليين موقفه في شأن مكان الاستجواب أو اي امر آخر ما دام القرار 1636 اعطاه صلاحيات مطلقة للتصرف علماً ان بعض هذه المصادر لا تخفي ان لدى البعض مخاوف من ان تعمد دمشق الى ما يتخطى الضغوط التي مارستها على لبنان اخيراً اذا شعرت ان لا منفذ لها سوى التجاوب الكلي غير المشروط مع لجنة التحقيق الدولية.

مصادر
النهار (لبنان)