ربما يكون أفضل وصف للحالة الراهنة التي تمر بها سورية هو القول انها تمر بمرحلة مخاض ، ليس النظام الحاكم وحده فيها معرضا للتبدل ، ولكن قبله ومعه وبعده الكثير من المفاهيم والأفكار والاصطفافات السياسية .

انها حالة مجتمع أخرجه الاستبداد من الحياة السياسية مدة أربعين سنة ليجد نفسه اليوم مقحما فيها تحت تهديد لايطال شروط وجوده ولكن وجوده كشرط ، مثل ذلك التهديد لم يشعر به المجتمع منذ انتهاء الاحتلال الفرنسي .

شعور بالتهديد بالوجود مع شعور بالعجز ، من هذين الشعورين تخرج ارهاصات ، بعضها يشبه صرخات ماقبل الموت ، ومنها ما يشبه صرخات الولادة . غريزة الحياة والبقاء تدفع نحو رمي البذور هنا وهناك قبل ان تسقط الأوراق المتيبسة ومعها بعض الأغصان .

اعلان دمشق هل هو صرخة ولادة ؟ الكثيرون يتمنون ذلك وأنا أيضا ، لكن بعيدا عن التمنيات ماهي الخيارات المتاحة حقا أمام الاعلان ؟

أحد الكتاب الأصدقاء كتب عن ( سحر اعلان دمشق ) ، مثل ذلك التعبير يوحي – ربما عن غير قصد - بشيء من الغموض اضافة للجاذبية أولنقل بجاذبية غامضة في الاعلان.

ما يستحق الاهتمام هو جانب الغموض ، اعلان دمشق أخرج المعارضة من كهفها ، لكن لم يقل لها الى أين .
من اعلان دمشق خرجت المعارضة مثقلة بارث سجن طويل مظلم ليس الى النور ولكن الى ممر ذي عدة بوابات .
مجريات الأحداث تتدافع باتجاه مواجهة محتملة بين النظام الحاكم والولايات المتحدة ، ليس بسبب اصرار النظام على المواجهة ولكن بسبب اصرار الولايات المتحدة ، في سياق تلك الأحداث التي توشك ان تتخذ طابعا دراميا تبحث الولايات المتحدة عن بديل داخلي للنظام ، وتعطي أقوى الاشارات أنها مستعدة لدعم البديل بشرط أن يكون ليبراليا متكيفا مع سياساتها ومصالحها في المنطقة .

تشكل تلك الحالة قوة استقطاب لنخب سياسية بدأت منذ وقت سعيها للتكيف مع شروط الهيمنة الأمريكية مقابل التخلص من الاستبداد . ولكون اعلان دمشق أرسى شكلا من الارتباط بين قوى التيار الليبرالي التي تبنت الاعلان وبين القوى الأخرى فقد أصبح ممكنا أن يمتد تأثير الاستقطاب السابق الى كامل كتلة اعلان دمشق .

من أجل ذلك تجد الفئات الأخرى التي لاتميل الى تحويل ما يسميه البعض ( التقاطع مع السياسة الأمريكية حول مسألة الديمقراطية ) الى شكل من أشكال قبول المساعدة الأمريكية بل طلبها ، أقول تجد تلك الأطراف صعوبة متزايدة في الابقاء على توازنها القديم بينما يعلو صوت السؤال هل أنت مع الاستبداد ام الديمقراطية؟ وبينما تتراجع عبارات مثل ( رفض التغيير المحمول من الخارج ) لتصبح دمى يتلهى بها من يريد، ويجد فيها آخرون متنفسا لوطنيتهم .

تخاطب المعارضة النظام : لم يعد هناك وقت طويل للتفكير ، وتنسى أنها هي أيضا لم يعد أمامها وقت طويل للتفكير .
يصرخ البعض : انها فرصتنا الذهبية للانتهاء من الاستبداد الذي يخنق الحياة في المجتمع ، بعدها كل شيء يمكن التفكير به ، دعونا نخرج اولا من السجن ولا تضعوا شروطا لخروجكم منه ، بل اقبلوا شروط مخلصكم .

يصرخ آخرون : بل هي محنتنا الكبرى ، انهم سينقلوننا الى سجن آخر أكثر احكاما ، وبمجرد ان نفتح لهم باب البيت سيصبحون هم الأسياد فيه، ومثلما حدث في العراق سيحدث في سورية وربما أسوأ، من يدري ؟

بمقدار ما يتزايد الاختراق الليبرالي وتزداد ( شجاعة ) الذين يدافعون عن مد اليد للخارج – وقد اصبح واضحا من هو المقصود بالخارج – تزداد ضرورة تميز الخط الآخر الذي يرى الوطن أكبر من النظام ، ويرى في تدخل الولايات المتحدة في الداخل السوري خطرا وليس فرصة .

هي مسؤولية النظام الذي أغلق باصرار عجيب كل أبواب الأمل بالتغيير واحدا بعد الآخر دون أن يفكر لحظة واحدة بالنتائج الكارثية لذلك ، لكن ما الفائدة التى تجنى من تحديد المسؤوليات والوطن ينزف بين أيدينا وأعيننا مفتوحة ونحن أسرى العجز والذئاب تعوي في الخارج .

مصادر
موقع الرأي (سوريا)